تونس

مرّوا من هنا: ابن شرف.. شريف الأدب القيرواني وشاعر بلاط ابن باديس 

نظم قلائد الآداب والأفكار وذاع صيته من إفريقية إلى الأندلس.. ابن شرف علم أدبي جمع بين الرحلة والنبوغ 

“هوالأديب الفاضل، أحد من نظم قلائد الآداب وجمع أشتات الصواب، وتلاعب بالمنثور والموزون تلاعب الرياح بأطراف الغصون”، هكذا حدث عنه ابن الدباغ الإشبيلي، وهو من مشاهير اللغة والفقه في بلاد الأندلس، واصفا مادحا شمائل أحد رموز القيروان في الأدب والشعر، وأشهر شخصياتها وأساطينها.

يعرف بكونه من بين أفصح شعراء القيروان، ممن دانت لهم لغة الضاد وشهدت له قصائده ودواوينه بجودة المديح ورقة الكلمة والعبارة وخصب الخيال، والقدرة على استنباط الفكرة واللمحة والتشبيه، وعذوبة في الصور الشعرية، فضلا عن غزير الإنتاج.

“شريف” الشعر والنسب

يذهب بعض المتأخرين من النقاد والباحثين إلى تسميته بـ “شريف الشعر القيرواني”، نسبة إلى كنيته التي عرف بها، واشتهر حتى بلغ صيته الأندلس وبلاط المعتمد ابن عباد.

يعرف عبيد الله محمد بن أبي سعيد بن شرف الجذامي القيرواني، بكونه أبرز أعلام المدرسة الشعرية القيروانية في عصرها الذهبي، أما أصوله فيرجعها بعض المدونين والمؤرخين إلى أحد التابعين أو الصحابيين ممن شاركوا في الفتوحات الأولى لإفريقية واستقروا بها، وما يفسر كنية “ابن شرف” التي عرف بها.

ولد بحاضرة الإسلام الأولى بإفريقية، سنة 388 للهجرة، الموافقة لسنة  999 ميلادية.

حرص والده في سنوات نشأته على أن يتلقى العلوم والفقه على يد كبار العلماء ومشائخ القيروان في عصر الدولة الزيرية.

 فدرس الفقه على يد أبي عمران الفاسي، كما تعلم الأدب وفنون اللغة   والشعر على يد شاعر القيروان الجليل، إبراهيم الحصري، ومحمد بن جعفر القَزَّاز حتى برع فيها وأَجاد.

في بلاط المعز

وعرف بنبوغه وألمعيته، وتفوقه الذي هيئ له الدخول إلى بلاط الأمير المعز ابن باديس الصنهاجي، ملحقا بديوان حاشيته، وهو ما أتاح له أن يعاصر نخبة من أبرز الشعراء وأدباء تلك الحقبة ممن كانت لهم سعة من البلاغة والفصاحة، والذين حرص المعز ابن باديس على جمعهم في خدمته، والاستفادة من قدراتهم وعبقريتهم في تدوين المراسلات والكتابة والإشراف على عمليات الترجمة، وغيرها من المسائل.

ولد هذا الاحتكاك بين ابن شرف وغيره من الشعراء وأدباء البلاط حالة من التنافس والتزاحم، كان لها عظيم الأثر في الحركة الفكرية والثقافية في القيروان، كما أسهمت في تطوير أشعار ابن شرف وقصائده، كما أنتجت حالة من التنافس الأدبي والاستقطاب مع ابن رشيق القيرواني، حتى باتت المناكفات الشعرية والإنسانية التي جمعت بينهما أشبه بالمنافسة ما بين الفرزدق وجرير في العصر الأموي، والتي لم تخل من الظرافة واللطافة والعمق الإنساني في كثير من المواقف.

من القيروان إلى صقلية والأندلس

على إثر نكبة القيروان سنة 449 للهجرة، نتيجة الزحف الهلاليين على أغلب إفريقية، اضطر المعزّ ابن باديس إلى الانتقال إلى المهدية واتخذها دار ملكه، وتبعه إليها شعراؤه وحاشيتُهُ، وكان بينهم ابن شرف، حيث أقام هناك لبعض الوقت، قبل أن يشد الرحال باتجاه جزيرة صقلية بعد أن بلغه كَرَم أميرِها، وهناك لحقه ابن رَشيق.

بعد سنوات قليلة من العيش في صقلية، بدأت مهجة أبن شرف تشرئب باتجاه بلاد الأندلس، فعرض الأمر على رفيق الدرب والشعر والرحلة ابن رشيق، لكن الأخير خير البقاء في الجزيرة، فاجتاز ابن شرف البحر منفردا ليقيم في ألمرية، والتي كانت منطلقه إلى بلاط عدد من الملوك وأمراء الطوائف، وصولا إلى بلاط بني عباد بإشبيلية إلى غاية وفاته سنة 460 هجرية.

خلف ابن شرف ابنا يدعى أبوالفضل جعفر، كان أديبا مجيدا بدوره، كما ترك إرثا أدبيا غزيرا متنوعا بين الشعر والنثر والنقد، من بينها ديوانه والذي ذكر بعض الباحثين أنه يقع في 5 مجلدات، إلى جانب مؤلفات أخرى أهمها: أبكار الأفكار، أعلام الكلام ومسائل الانتقاد.