كانت اللغة أول وسيلة تواصل يعرفها الإنسان والبوابة الأساسية التي من خلالها يعبرإلى كل العلوم. بها يعبّر و بها ينهض و بها يشارك أفكاره وبها يكتب، يناقش و يوافق و يعارض و يحتج..
مع تطور الزمان، اكتسبت اللغة دورا أكبر و أشمل. أضحت وسيلة للإبداع. جسدت أفكار الأدباء وجنونهم وكانت قناة لنقل إبداعهم. حملت في جنباتها عديد الأسرار و التأويلات و الرموز. كانت أمينة في نقلهم و إخفائهم عن أعين الرقباء.
اللغة هي عجينة الصلصال التي طوعها الإنسان و شكلها ونفخ فيها بنات أفكاره و مشاعره. اللغة هي سطح العالم بسهوله و هضابه و جباله. ماذا لو فُرض عليها أن تكون سهلا منبسطا جافا لا يحتمل التأويل؟ هذا ما طرحته الكاتبة الكويتية بثينة العيسى في روايتها حارس سطح العالم.
في عالم مختلف عما نعيشه اليوم و بعد قيام ثورة أدت إلى الإطاحة بكل الأنظمة الديمقراطية، ظهرت أنظمة ديكتاتورية خانقة و صعبة الاختراق، أنظمة النمط الواحد و الفكر الواحد حيث تمنع المخيلة ويمنع التفكير و التأويل، حيث يتربى الفرد منذ نعومة أظفاره على الجمود و الكبت و يجد الطفل نفسه مهددا بمراكز إعادة التأهيل إن كان “مريضا” بالمخيلة.
الشخصية الرئيسية في هذا الكتاب هو رقيب للكتب، شخص مكلف بمنع كل كتاب لا يستوفي الشروط الصارمة التي تضعها الحكومة.. يجب أن تبقى اللغة على السطح ، لا تؤول و لا تحلل.. لا تحمل معاني مبطنة .. و لهذا فالرقيب مكلف بحراسة سطح العالم .. و لكن ماذا لو وقع الحارس في حب ما يفترض به أن يمنعه؟ ماذا لو قرأ كتابا قد يغير حياته إلى الأبد ؟
من هنا تتصاعد الأحداث شيئا فشيئا لتأخذ منحى آخر يتسم بالمغامرة و التحدي..
أبدعت بثينة العيسى في تكريس فكرة التمرد على الممنوع رغم كل الحواجز التي نصبتها في روايتها. حواجز تشعر القارئ بنوع من الإختناق و تجعله يتساءل عن قدرة الإنسان على الإستجابة إلى القيود. فهل يمكن تطويع هذا الإنسان الذي جُبل على الحرية ؟ هل يمكن الحد من خياله؟ مساحته الشخصية الوحيدة في عالم تتم فيه مراقبة كل صغيرة وكبيرة؟
رواية ديستوبية بامتياز حيث أن أحداثها تدور في المستقبل و في اللامكان و شخصياتها مجهولة الهوية و الملامح فهي مهما اختلفت ملامحها، لا بد أن تحمل نفس التفكير الجامد المحدود. مقتبسة إلى حد كبير من رواية 1984 لجورج أورويل. اختارت فيها الكاتبة أن تُشرك فيها العديد من روائع كلاسيكيات الأدب العالمي.