تحضر “مدرسة تونس للفنون التشكيلية” بكامل رمزيتها وثقلها التاريخي والثقافي والجمالي ضمن فعاليات الدورة الثالثة لأيام قرطاج للفن المعاصر من خلال معرض استعادي فاخر وباذخ، تمّ تدشينه، مساء السبت 27 ماي، برواق دار الفنون بالبلفدير بالعاصمة تونس، ووقع اختيار هذا الرواق، لأنّه شهد في العقود الماضية عدة معارض شخصية وجماعية لرموز جماعة المدرسة.
المعرض الاستعادي الذي حضره الضيوف العرب والأجانب الذين جاؤوا يمثلون ثقافات بلدانهم خلال فعاليات أيام قرطاج للفن المعاصر، قدّم أغلب الأسماء من الرّسامين الذين شغلوا المدرسة وخاضوا معها تجاربها التشكيلية، ونفّذوا مشاريعها الثقافية، وشاركوا في تلك النقاشات الفكرية والثقافية التي كانت تندلع بين الفينة والأخرى في العقود الماضية في أعمدة الصحف والمنابر الفكرية.
ومن الأسماء المؤسّسة للمدرسة في أربعينات القرن العشرين نجد بيار بوشارل، يحيى التركي، جيل للوش، موس لي في، أنطونيو كوربورا، وجلال بن عبدالله، إذ تبرز أعمالهم بدايات اللوحة التونسية، كانوا مُنشغلين في تلك الأزمنة بالطبيعة والحياة اليومية للتونسيين بالمنازل والأسواق والحقول وأزقة المدن، وترجمة أحاسيسهم بالأفراح والأتراح.
ومن رموز الموجة الثانية في هذا المعرض تظهر أعمال الأخوين زبير والهادي التركي، صفية فرحات، عبدالعزيز القرجي، فتحي بن زاكور، عمار فرحات، علي بلاغة، وإبراهيم الضحاك.. وهو جيل أصّل اللوحة التونسية وجعل لها شخصية بملامح مميزة، وحثها على التنوّع في مستوى المحامل والتقنيات، منها الزيتي والمائي والخزف والفسيفساء والناري والنسيج والحفر.
كما نجد جرأة واضحة في مستوى مزج الألوان والتقنيات والأحجام، وتطوّرا في مستوى المواضيع المقترحة على عين المتلقي، حيث خُصّت المرأة التونسية بنصيب وافر من الأعمال، كما كان هناك انتباه للأساليب التجريدية التي سرت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فطبعت أعمال بعض الفنانين يتقدّمهم هادي التركي الذي أسّس لما يمكن تسميته “بالصوفية في الفن التشكيلي التونسي”.
المعرض الاستعادي لرموز مدرسة تونس للفن التشكيلي ميّز أعمال الفنان حسن الصّوفي، آخر الأحياء من الجماعة، حيث قدُّمت نخبة من مُدوّنته الثرية التي تجمع بين التشخيصي ومغامراته في اتجاه عوالم التجريدي دون التخلي عن البهجة التي تسكن عوالمه وألوانه.
واستقدم جزء من هذه الأعمال، غير المُشاهدة قبلا، من الرصيد الوطني الذي تملكه الدولة التونسية، فيما تمّ جلب البقية من مجموعات يملكها خواص تُعرض للمرة الأولى.
المعرض كان إضاءة ضرورية لمنجز هذه المدرسة ودورها التاريخي في “توْنسة” اللوحة التونسية بعد مرحلة الاستعمار الفرنسي، كما يمكن اعتباره دعوة للباحثين والمهتمين إلى إعادة الاهتمام الفكري بهذا الإرث الفني التونسي التليد.
وتأسّست مدرسة تونس عام 1936، وتعود فكرة تأسيسها إلى الرسام الفرنسي بيار بوشارل الذي كان يُقيم آنذاك بتونس، وتكوّنت المجموعة في البداية من أربعة رسامين هم بالإضافة إلى بوشارل؛ أنطونيو كوربورا وموس لي في وكلود للوش، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1949، وقع ضمّ كل من يحيى التركي وعبدالعزيز القرجي وعمار فرحات، ثم الهادي التركي وزبير التركي وصفية فرحات وعلي بلاغة وإدقار نقاش.
ترأسها منذ البداية بوشارل، ثم تولّاها بعده يحيى التركي إلى عام 1969 تاريخ وفاته، ثم عبدالعزيز القرجي.
أهم ما كانت تقوم به مدرسة تونس، تنظيم معارض دورية، وكان أعضاؤها مُهيمنين على الساحة التشكيلية إلى ما بعد الاستقلال، حيث كانوا يحوزون طلبيات إنجاز الجداريات، وكانوا منغلقين على أنفسهم.
وخلال السبعينات انفتحت المدرسة على بعض الشبان، ومن بين من انضم إليها؛ رفيق الكامل وحسن الصوفي وحمادي بن سعد.