ثقافة

محمد الصغير أولاد أحمد… شاعر تونس الذي عاش للقصيد حتى أفناه

يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى السادسة لرحيل الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد، الذي فارق الحياة في مثل هذا اليوم 5 أفريل/ نيسان من العام 2016، عن عمر ناهز الـ61 عاما.

والشاعر الذي رحل في الخامس من شهر أفريل/ نيسان بالمستشفى العسكري بتونس بعد معاناة امتدّت لسنتين مع مرض السرطان، هو من مواليد الرابع من الشهر ذاته في العام 1955 بمدينة سيدي بوزيد (وسط تونس)، أي أنّ بين يوم الميلاد ويوم الرحيل يوما وإحدى وستين دورة شمسية.

عاش في بيئة فقيرة وقاسية في فترة خروج الاستعمار الفرنسي وبداية بناء الدولة التونسية. بدأ تعليمه في كتّاب القرية بمسقط رأسه وموهبته سيدي بوزيد، فتعلم القراءة، وحفظ القرآن ثمّ دخل المدرسة الابتدائية بمنطقة النوايل في مدينته الأم، ومنها حصل على شهادة التعليم الابتدائي عام 1968.

لم تكن هناك في تلك الفترة مدرسة ثانوية في مدينة سيدي بوزيد فانتقل إلى محافظة قفصة (جنوب) لمواصلة تعليمه الثانوي. ثم انتقل إلى العاصمة التونسية حيث واصل دراسته بالمدرسة العليا لأطر الشباب بمنطقة بئر الباي بين 1975 و1977 وحصل على شهادة منشط شباب. وفي العام 1978 عاد إلى سيدي بوزيد وحصل على شهادة البكالوريا، وسافر إلى فرنسا حيث درس علم النفس في جامعة رامس.

عمل منشطا في دور الثقافة قبل أن يعرف البطالة من 1987 إلى 1993، كما عمل ملحقا ثقافيا بوزارة الثقافة التونسية من 1993 إلى 1997، ثم أسّس بيت الشعر التونسي وترأسه، وكتب في العديد من الصحف المحلية والعربية.

بدأ أولاد أحمد تجربة الكتابة الشعرية أواخر السبعينات، إثر إنهاء دراسته، وكان قد دافع عن الكرامة والحريات في زمن الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة، حتى أنهُ سجن في منتصف الثمانينيات وحُجبت العديد من قصائده.

ولعلّ أشهر قصيد كتبه في تلك الحقبة وأزعجت الزعيم، هو قصيد “نحب البلاد” من ديوانه “نشيد الأيّام الستة” الذي يقول في مطلعها:

“نحب البلاد

كما لا يحب

البلاد أحد

نحج إليها

مع المفردين

عند الصباح

وبعد المساء

ويوم الأحد

***

ولو قتلونا

كما قتلونا

ولو شردونا

كما شرّدونا

ولو أبعدونا

لبرك الغماد

لعدنا غزاة

لهذا البلد

***

وأقسم بربي الذي

أقام السماء

بدون عمد

لو أن في الأرض

ركن يشد إليه

دون الذي

عند الحجاز

ليممت وجهي

لهذا البلد…”.

مع بداية التسعينات، تحديدا في العام 1993 تولّى إدارة بيت الشعر حتى العام 1997، وهو الذي كان معجبا بشعر محمود درويش ونزار قباني وعز الدين المناصرة ومظفر النواب وغيرهم من الشعراء العرب.

في بداية فترة حكم بن علي واصل النظام ملاحقة الشاعر الغاضب وطرده من عمله ممّا دفعه إلى السفر إلى فرنسا، وقد عاد مطلع التسعينيات إلى تونس بفكرة تأسيس بيت للشعر في العام 1993 ثم تولى رئاسته حتى العام 1997، وهو الذي أراد من خلاله ترسيخ ذائقة الاستماع والاستمتاع بإلقاء الشعر لدى الجماهير العريضة.

حاول نظام الرئيس الراحل بن علي أن يكسب ودّ أولاد أحمد بمنحه وسام الاستحقاق الثقافي عن فكرة تأسيس بيت للشعر، لكنه رفض تسلم الجائزة، وبقي تحت المضايقات يكتب الشعر ويسخر من النظام رغم طرده من العمل بوزارة الثقافة التي كان يعمل بها ملحقا ثقافيا.

في المقابل، حصل على جائزة قرطاج العالمية للشعر عام 2011، وذلك في إطار الملتقى التونسي الإسباني الأول للثقافة.

كما قبل قُبيل وفاته بنحو سنة، تحديدا في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، تكريمه من قبل وزارة الثقافة التونسية في حفل كبير بالمسرح البلدي بالعاصمة، بمشاركة عدد من الشعراء والفنانين والمبدعين اعترافا بما قدّمه من إنتاجات قيمة.

وعرف عن أولاد أحمد أنه تنبّأ باندلاع ثورة 14 جانفي/ يناير 2011، فكتب قصائد شعرية استبق فيها قيام الثورة التونسية، الأمر الذي جعل العديد من المراقبين يعتبرونه شاعر الثورة التونسية.

في رصيد محمد كما يحلو لمجايليه مناداته أمثال حسن بن عثمان وسليم دولة وأحمد حاذق العرف وآدم فتحي، العديد من الدواوين الشعرية والكتابات النثرية منها: “نشيد الأيّام الستة” عام 1984، و”ليس لي مشكلة” 1998، و”حالات الطريق” 2013، و”تفاصيل” عام 1991 و”القيادة الشعرية للثورة التونسية” عام 2013.

مرض أولاد أحمد مرضا عضالا ولما اشتد به المرض، كتب داخل المستشفى العسكري الذي كان يتلقى العلاج فيه قصيدة مؤثرة سماها “الوداع” يقول فيها:

أودع السابق واللاحق

أودع السافل والشاهق

أودع الأسباب والنتائج

أودع الطرق والمناهج

أودع الأيائل واليرقات

أودع الأجنة والأفراد والجامعات

أودع البلدان والأوطان

أودع الأديان

أودع أقلامي وساعاتي

أودع كتبي وكراساتي

أودع المنديل الذي يودع المناديل التي تودعالدموع التي تودعني أودع الدموع”.