ثقافة

محمد الجبالي في “ع الصول”… بحثَ عن الممثّل فأضاع المطرب

صابر بن عامر

عدسة: حسّان فرحات

“ع الصول”، هي المسرحية الثانية في نوع “الوان مان شو” (مسرح الممثّل الواحد) للمطرب والملحن التونسي المخضرم محمد الجبالي بعد مسرحيته الأولى “بلدي التاني” التي عرضها في العام 2013، ولاقت استهجانا كبيرا من قبل الجمهور الذي لم يستسغ تحوّل محمد الجبالي المطرب إلى محمد الجبالي الممثل، رغم مُشاركاته العديدة في بعض المسلسلات التونسية، على غرار “منامة عروسيّة” وسباعية “أمال” وسيتكوم “عند عزيز”.

كما كانت له ثلاث مُشاركات في مسلسلات إذاعية وفيلمان تونسيان. وهو اليوم بعرضه الجديد “ع الصول” يصل إلى مسرحيته السادسة، وفق تصريحه لبوابة تونس. فهل نجح محمد الجبالي الممثّل كما هو حاله مطربا؟

كوميديا مُرتجلة

يبدو أنّ الأمر مختلف هنا، رغم إقرارنا ببعض نجاحات الجبالي التمثيلية في الدراما التلفزيونية، لكن للمسرح أحكاما أخرى؟

أوّلها النصّ الجيّد والإخراج المُتقن والحضور المُبهر، وهو ما لم يتوفّر -إلاّ لماما- في عرض “ع الصول” الذي قدّمه الجبالي ليلة أمس الجمعة 9 سبتمبر/أيلول بفضاء قصر العبدليّة بالمرسى (الأحواز الشمالية لتونس العاصمة)، ضمن فعاليات النسخة التاسعة من مهرجان ليالي العبدليّة؛ آخر المهرجانات الصيفية بتونس هذا العام.

النصّ والإخراج غابا عن العرض رغم اجتهادات الجبالي وإشراكه الجمهور في بعض فصول مسرحيته، أو لنقل -بعبارة أدقّ- عرضه التنشيطي أكثر منه المسرحي، فالحبكة مفقودة والخيط الرابط بين الأحداث بدا عجلا وعشوائيّا في أكثر من موضع، فأن يحكي الفنان-المطرب تجاربه ومسيرته الفنية التي امتدّت زهاء الـ35 عاما من الإطراب في حوالي ساعتين من الزمن، يقتضي منه نصّا مُحبكا لا ارتجاليا كالذي قدّمه الجبالي ليلة الجمعة.

كما أنّ اقتصاره على تشريك الجمهور في عرضه وعلى خشبة خاوية إلّا منه ومن عازفين اثنين وآلاتهما الموسيقية وعوده أحيانا، لا يستقيم مع توصيفه لعرضه بـ”الكوميديا الموسيقية”. فالكوميديا الموسيقية سينوغرافيا وإكسسوارات وملابس، تتغيّر وتتبدّل، علاوة على الحضور الطاغي للراقصين والراقصات والعازفين والعازفات والمطربين والمطربات، ولو بطريقة “البلاي باك”، زائد نصّ محبوك له بداية وعقدة ونهاية. والأهم من كل ما سبق إخراج مُمنهج يُعلي من التراجيديا في أشدّ مناطقها قسوةً ويُبرز المواقف الكوميدية إن وجدت، فيمنحهما اليد الطولى ليكونان نجما العرض ويُحركّان مشاعر الجمهور ضحكا أو عبوسا.

أما ما قدّمه الجبالي في “ع الصول” فهو تمرين مبتدأ لمطرب كبير بمواصفات ممثّل هاوٍ فأضاع الاثنين معا، فلم نطرب للصوت ولم نستمتع لا بالحركة ولا بالحكاية.

اجتهاد منقوص

بقي أن نقول أنّ اجتهاد الجبالي -الذي رقص وغنّى وعزف وقلّد بعض الأصوات التونسية والعربية على غرار الهادي حبوبة وجورج وسوف، كما انتقد بعض الظواهر الاجتماعية والفنية التي عمّت تونس والوطن العربي مع بداية الألفية الجديدة- يبقى محمودا، لكنّه منقوص من قائد أركسترا -مخرج- عازف على وتر التناقضات والمُخاتلات، وأيضا من مؤلّف قادر على رتق الفتق الحاصل بين المُبكيات والمُضحكات فيستقيم العرض الذي لامس مناطق مسكوتا عنها في الشارع الثقافي التونسي.

لكنّه لم يقدّم بدائل أو حلولا، لتبقى “دار الفن” التونسي على حاله ووضع فنّانها على منوال أسلافه “عاش يتمنى في عنبة، مات علقولوا عنقود… ما يسعد فنان الغلبة، كان ما بين اللحود”، أسوة بمقولة أديب تونس علي الدوعاجي. فهل تستحقّ مسيرة محمد الجبالي، أقلها الطربيّة، المكلّلة بالنجاح كل هذا النواح، ولو عبر كوميديا سوداء لم تُصب أهدافها؟

بين المطرب والممثّل

ومحمد الجبالي مغنّ وملحّن وممثّل تونسي من مواليد 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1967، بدايته الفنية كانت عن طريق برنامج اكتشاف المواهب “نجوم الغد”، الذي كانت ترعاه التلفزة الوطنية التونسية.

وكان اعتلى خشبة مسرح قرطاج العريق وهو في الـ19 من عمره. ومكّنته هذه التجربة من الالتحاق بالفرقة الموسيقية الوطنية التونسية عام 1989 بقيادة الموسيقار التونسي محمد الڨرفي، حيث شارك معها في عروض “زخارف عربية” بأداء أغاني الفنان التونسي الراحل علي الرياحي، وروائع محمد عبدالوهاب وأمّ كلثوم.

وفتحت له هذه التجربة أبواب الشهرة على الصعيد الوطني، ممّا مكّنه من تسجيل 7 ألبومات وإصدارها في الفترة الممتّدة من بداية التسعينات إلى عام 2005، تخلّلتها مشاركات في عدة مهرجانات ومسابقات موسيقية على الصعيد العربي، منها صعوده لأكثر من مرة على خشبة مسرح قرطاج وأيضا في مهرجان بابل بالعراق ومهرجان الموسيقى العربية السابع بدار الأوبرا المصرية، وغيرها من التجارب العربية الناجحة.

مسيرة أتى الجبالي على بعضها في “ع الصول” مُتحدّثا عن بعض انتصاراته والكثير من انكساراته، مُستعرضا طاقاته الصوتية التي لا يشكّ فيها اثنان. أمّا أداؤه التمثيلي -المسرحي تحديدا- فيستحقّ المُراجعة، حتى لا يأفل نجم محمد الجبالي المطرب في زحام بحثه المُرتبك عن محمد الجبالي الممثّل!