قال المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي، السبت 3 ديسمبر/كانون الأول، إنّ خطاب الأمين العام للاتّحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي تجاوز إعلان القطيعة مع الحكومة.
في تصريح خاصّ ببوابة تونس، أكّد الجورشي أنّ الخطاب جاء في سياق مواجهة تتّسع تدريجيا بين الاتّحاد والحكومة، مضيفا: “يمكن في لحظة أن تتجاوز الحكومة لتصل إلى صراع مع رئيس الدولة”.
وفي وقت سابق، أيّدت المنظّمة النقابية خطوة الرئيس سعيّد إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 جويلية/يوليو 2021، وحلّ البرلمان وإقالة الحكومة بدعوى التصدّي للفوضى والفساد بمؤسّسات الدولة.
وأوضح الجورشي أنّه يجب أخذ تصريحات الأمين العام بعين الاعتبار، في ظلّ حالة الغضب التي اتّسعت رقعتها على خلفية مضامين اتّفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وكيفيّة إعادة تنشيط الحياة الاقتصادية بتونس.
وعن الرسائل التي وجّهها الطبوبي أمام أنصاره، قال إنّ أهمّها يتمثّل في تأكيد أنّه ليس مجرد منظّمة شغيلة تُعنى بالدفاع عن مطالب منظوريه، إنما هو عنصر أساسي في تعديل التوازنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الجورشي أنّ الخطاب يندرج ضمن مواصلة اتّحاد الشغل عملية تعبئة الجماهير التي بدأها منذ أيام في المسيرات والتصريحات، وهو ما يؤشّر إلى تصعيد قد تعرفه البلاد، مؤكّدا أنّ آلياته سيُكشف عنها في خطوات المنظّمة القادمة.
سعيّد في أزمة
واليوم، قال نور الدين الطبوبي إنّ تونس تعيش وضعا خانقا وتشهد تدهورا على جميع الأصعدة، معلنا رفضه المسار السياسي الحالي، فيما ندّد بالانتخابات التشريعية المرتقبة، معتبرا إيّاها “بلا لون أو طعم”.
وتعليقا على هذا التصريح، قال صلاح الدين الجورشي، إنّ موقف الاتّحاد الذي أعلن عنه الطبوبي، يؤكّد خروج المنظّمة رسميّا من المنطقة الرمادية، ورفضها صراحة توجّه الحكومة، خاصّة في إدارتها للملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
ويعترض الاتّحاد (أكبر منظّمة عمالية في تونس) على خطط الحكومة الحالية التي شكّلها الرئيس سعيّد، لمراجعة نظام الدعم وباقي الإصلاحات المرتبطة باتّفاقها مع صندوق النقد الدولي ومن بينها؛ وضعية المؤسّسات العمومية المتعثّرة، وتجميد الأجور.
واعتبر الجورشي أنّ الموقف الجديد لاتّحاد الشغل سيصعّد أزمة سياسية في البلاد، وسيخلق إرباكا في مسار مفاوضات تونس مع الجهة الدولية المانحة، مشيرا إلى أنّ صندوق النقد الدولي سيكون حذرا في التعامل مع الملف التونسي بسبب تخوّفه من التورّط في اتّفاق يعمّق الانقسام داخليا.
وتوصّلت تونس إلى اتّفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على 1.9 مليار دولار خلال 48 شهرا، في انتظار موافقة نهائية يتمّ إقرارها في ديسمبر الجاري.
وعن ردّ السلطة المحتمل على الموقف الجديد لاتّحاد الشغل ودعوته إلى إقالة الحكومة، أكّد المحلّل السياسي أنّ الرئيس سعيّد سيجد نفسه في مأزق حقيقي، إذ أنّ إقالة نجلاء بودن في هذا الظرف تعني الاعتراف بفشله على كل المستويات.
وأوضح الجورشي أنّ الخيارات التي دافعت عنها حكومة بودن في الداخل وفي المحافل الدولية، هي في الحقيقة خيارات قيس سعيّد، مشيرا إلى أنّ الوزراء لا يتحرّكون إلّا بالضوء الأخضر من الرئيس الذي يتحمّل مسؤولية اختياره حكومة فرضها من خلال إجراءاته الاستثنائية.
وكان الطبوبي نبّه من أنّ الوضع بات ضبابيا ومجهولا، في ظلّ استمرار قيس سعيّد في سياسة التفرّد والتخبّط وغياب التشاركية والتفاعل مع القوى السياسية والاجتماعية الوطنية، قائلا: “لسنا مرتاحين لما يجري في تونس”.
وعن فرضية إقالة نجلاء بودن من رئاسة الحكومة، قال المحلّل السياسي إنّ الخطوة مستبعدة، فمن غير المتوقّع أن يقدم قيس سعيّد عليها، إذ ستدخل البلاد في دوامة أزمة داخلية أشد حدّة، إضافة إلى أنّها ستهزّ صورة تونس في الخارج.
الاتّحاد والانتخابات
من جانبه، أوضح المحلّل السياسي هشام الحاجي في تصريح خاصّ ببوابة تونس، أنّ خطاب نورالدين الطبوبي، اليوم، يمثل تأكيدا لبداية قطيعة واضحة بين المنظّمة النقابية والحكومة، مشيرا إلى أنّ تصريحاته ستؤثّر في الانتخابات القادمة.
وكان الطبوبي وصف الانتخابات المقبلة المقرّر تنظيمها في 17 من الشهر الجاري، بأنّها “بلا لون أو طعم”، لافتا إلى أنّها جاءت وليدة دستور “لم يكن تشاركيا ولا محلّ إجماع”.
وأشار الحاجي إلى أنّ الخطاب يُعدّ تعديلا جوهريا في سياسة الاتّحاد في ظلّ ما تمرّ به تونس من أزمات معقّدة، مشيرا إلى أنّ انتقادات الطبوبي للانتخابات التشريعية ودستور 25 جويلية، يستشفّ منها تشكيكا في شرعية قيس سعيّد شخصيا.
وأوضح الحاجي أنّ اجتماع اتّحاد الشغل بعث برسائل مستعجلة عبر خطاب وقع إعداده بعناية، مشيرا إلى الشعارات التي رُفعت كـ”الشعب يريد ثورة من جديد “، وهي تؤكّد أنّ القطيعة أصبحت شبه كاملة تقريبا مع الحكومة، بل والسلطة السياسية.
وأظهر مقطع فيديو من اجتماع المنظّمة النقابية، الحاضرين وهم يردّدون شعارات “لا شرعية لا شرعية انتخابات مسرحية”، و”الشعب يريد حكومة وطنية”.
وتستعدّ تونس لتنظيم الانتخابات التشريعية هي الأولى (17 ديسمبر)، بعد إجراءات قيس سعيّد الاستثنائية التي تمّ اتّخاذها في 25 جويلية 2021، وشملت حلّ البرلمان وإقالة الحكومة.
وتتّجه أهم الأحزاب (12) والمكوّنات المدنية في تونس، إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، متّهمة السّلطة بمواصلة سياسة الهروب إلى الأمام بهدف “شرعنة الانقلاب”.
وأكّد المحلّل السياسي أنّ الخطاب الجديد لنورالدين الطبوبي يحمل نبرة تصعيدية غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، مضيفا أنّه خطاب مواجهة بامتياز وليس للاستهلاك أو تهدئة القواعد كما يروّج له.
وأوضح الحاجي أنّ “موقف الاتّحاد العام التونسي للشغل، ستكون له تداعيات على أرض الواقع، في ظلّ التبرّم المتزايد من قيس سعيّد وسياساته”.