سياسة عالم

محظور في كل المنصات…كيف قضت مواقع التواصل الاجتماعي على ترامب؟

حساباته محظورة  في تويتر (نهائياً) وفيسبوك وريديت وإنستاغرام وسناب شاب…دونالد ترامب دون منصات اجتماعية اليوم، بعد واقعة اقتحام الكونغرس التي وقعت تلبية لنداء وجهه لإنصاره عبر فيديو بثه على تويتر. كيف قضت هذه المواقع على ترامب نهائيا؟ ولماذا أساء استخدامها طيلة فترة رئاسته دون توجيه؟

لم يعرف التاريخ السياسي الدولي رئيسًا اعتمد طوال حكمه على مواقع التواصل الاجتماعي، كوسيلة للدعاية والبروباغندا داخليًا وخارجيًا، ومنصة لتسويق وجهات نظره السياسية، وكذلك الرد على خصومه مثل الفترة التي حكم فيها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب. ترامب غرد بشكل مكثف طيلة فترة حكمة على تويتر وحول حسابه إلى نافذة لقنص منتقديه، من جميع الانتماءات وفي كل المجالات، حتى وقع في المحظور: التحريض على اقتحام الكونغرس.  

طوال عهدته الرئاسية تحول ترامب إلى ظاهرة إعلامية وسياسية، وأحد أبرز نجوم منصات التواصل الاجتماعي، من خلال تدويناته العدائية تارة، المثيرة للجدل كثيراً، وأسلوبه الشعبوي في الخطاب عبر التدوينات الذي تغلب عليه النزعة الهجومية بل حتى العنصرية.

كسر ترامب منذ حملته الانتخابية الرئاسية سنة 2016، كل القواعد والبرتوكولات والتقاليد المنظمة لتعامل الشخصيات السياسية مع الفضاءات الافتراضية، ونفذ بأسلوبه الخارج عن المألوف وخطابه المتمرد ذي النزعة العنصرية واليمينية، إلى جماهير تثيرها الشعبوبة عبر المنصات الرقمية.

تحويل الترند إلى أداة للدعاية والتوظيف السياسي

يجمع المراقبون على أن جانبًا كبيرًا من الاكتساح الذي حققه الرئيس المنتهية ترامب ولايته أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كليتون، يعود إلى نجاحه في توظيف حضوره المكثف ومنشوراته عبر تويتر وفيسبوك، وهو أسلوب لم تتعود عليه النخب السياسية الأمريكية بما زاد من شعبيته خاصة في أوساط اليمين المتطرف.

مع إدراكه لأهمية المواقع الافتراضية، اتجه ترامب بعد دخوله البيت الأبيض  نحو تكثيف حضوره فيها، لإداركه بأنها وسيلة للتأثير في الرأي العام، وصياغة محتوى يكون مثار اهتمام الجمهور ووسائل الإعلام، اعتمادا على أسلوب الاستفزاز، وآراء متطرفة وغير منطقية أحيانا،  يتم تداولها وإعادة نشرها بشكل واسع لتتحول إلى ترند في الداخل الأمريكي بل حتى خارجياً.

لم تكن مخالفة أكثر رؤساء الولايات المتحدة إثارة للجدل، للقواعد التي تمنع احتفاظه بحساباته الشخصية على تويتر وفيسبوك تعكس الجانب المتمرد في شخصية الرجل، بقدر ما كانت تجسد مخطط تحويل الترند إلى الوسيلة الدعائية الأكثر تأثيرًا، والتي تفوقت حتى على الناطق الرسمي للبيت الأبيض.

آلاف التدوينات

أكثر من 52 ألف تغريدة على توتير ومثلها على فيسبوك ومنصات افتراضية أخرى، مثل “سناب شات” و”إنستغرام”، سخرها ترامب لتسويق أجنداته ومهاجمة خصومه السياسيين وقيادات الحزب الديمقراطي ونوابه بالكونغرس، بما في  ذلك نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، والتي نالها من هجمات ترامب نصيب وافر من التدوينات.

وتحتفظ ذاكرة الجمهور بنماذج شهيرة من الحملات التي شنها ترامب عبر المنصات الافتراضية على غرار المنشورات التي كتبها بحق رئيس بلدية لندن صديق خان، وكذلك الزعيم الكروي الشمالي كيم أون جونغ والتي تحولت إلى تراشق لفضي متبادل بين الجانبين.

من سياسة غض الطرف إلى المواجهة  

تدوينات ترامب كانت في أغلبها مخالفة لقيم وسياسات النشر المعتمدة لدى فيسبوك وتويتر، وهو ما كان يفترض أن تضع حساباته تحت طائلة الحظر والإيقاف، لكن تعامل إدارة هذه المواقع غلبت عليه شبهات التغاضي وغض الطرف، عن تدوينات نشرها الرئيس الأمريكي ووصفت على نطاق واسع بأنها معادية للإسلام وتحض على الكراهية في ما يتعلق بقضايا الهجرة.

اختار توتير وفيسبوك أن يبررا تساهلهما مع منشورات ترامب، قبل أن يدركا بشكل متأخر فداحة خطئهما، بعد أن بلغ “شرارة الحريق البيت الداخلي” خلال الانتخابات الرئاسية.

لم يكن من العسير على بعض الخبراء التنبؤ بردة فعل شخصية كمثل ترامب تعاني جنون العظمة وتضخم الأنا تجاه نتاج الانتخابات، ليتمسك طوال أسابيع بترويج نظريات المؤامرة وتزوير الانتخابات والتشكيك في نزاهة عمليات الفرز عبر صفحاته، ولتبدأ معها المواجهة مع مواقع التواصل الاجتماعي التي عملت على فرض رقابة على المنشورات بلغت وضع ملاحظات لتكذيب مزاعمه.

انتقل توتير وفيسبوك إلى مربع المواجهة مع ترامب، بعد أن كانا وسيلته في إدارة معاركه السياسية، ما دفعه للتلويح بفرض رقابة على الموقعين وإغلاقهما، ردًا على تصديها لحملات التحريض والتشكيك في نتائج الانتخابات. لكن في الآن ذاته، تعتبر فئة من المغردين من بينهم عرب أن إيقاف حساب ترامب في تويتر نهائيا هو “مصادرة للرأي”، رغم خطاب العنصرية والتحريض الذي استخدمه ترامب اتضحت مخاطره بالعين المجردة بعد موقعة الكونغرس. ويتساءل ملاحظون هنا: هل التحريض حرية تعبر؟ 

لم تكن كارثة “الأربعاء الأسود” واقتحام مبنى الكونغرس، سوى حصادا متوقعاً لأسابيع من التحشيد وتحريض الأنصار الذي مارسه ترامب، والذي دقت وقائعه جرس الإنذار تنبيها من التوظيف السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي.

بين عشية وضحاها انتقل ترامب من منزلة “نجم السوشيال ميديا” إلى شخص محظور فيها، طُرد من توتير وفيسبوك وبشكل نهائي في تويتر، هو الآن معزول وسط دعوات لاستقالته أو عزله، تمهيدا لكتابة التدوينة الأخيرة  لظاهرة سياسية غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي.