ثقافة

مثقفون تونسيون وعرب: الديجيتال عُملة بعديد الوجهات تختلف باختلاف الاستعمالات

صابر بن عامر

الديجيتال، أو الرقمنة الضيف الوافد إلى كتاباتنا وأفكارنا وصورنا في الألفية الثالثة الجديدة، حامل اقتحم الهواتف المحمولة والحواسيب والكمبيوتر اللوحي دون استئذان ولا سابق إنذار، فأثّر في يومياتنا واجتهاداتنا وحتى ميولاتنا وأثراها إيجابا حينا وسلبا في مواقف أخرى، حتى بات من لم يكن رقميا، اليوم، موسوما بأميّ القرن الحادي والعشرين.

بوابة تونس طرحت سؤال: هل الديجيتال يُثقّف؟ فتباينت الرؤى بين مُنتصر للحامل الجديد ورافض له.. وكانت هذه الإجابات لبعض المُثقّفين التونسيين والعرب في جزئها الرابع والأخير.

الديجيتال مُنجد العصر ولغته

ردا على سؤالنا، تقول المسرحية أسماء وسلاتي: “في رأيي الديجيتال يُخزّن الكثير من المعلومات التي قد نستحقها لسرعة الإجابة على أسئلتنا المُختلفة والمتنوّعة، لذلك يُثقّف حسب فضولنا وحاجتنا إلى المعلومات”.

وتسترسل الممثلة التونسية الشابة: “الديجيتال مُنجد العصر، إذا أردت معرفة ثقافة الشعوب، فقط، سل وتأتيك الإجابة مُقتضبة، لكن ناجعة وفعّالة”.

وغير بعيد عن طرح وسلاتي المُحتفي بثقافة الديجيتال بما هو محمل مُسافر بمتصفّحه إلى عوالم من الدهشة حينا والإبهار أحيانا والتثقيف في مواقع أخرى، يقول الكاتب الصحفي التونسي سفيان العرفاوي: “لا شكّ أننّا أصبحنا أمام حتمية جديدة عنوانها الديجيتال، وعليه، وكما يُعرّف الذّكاء بأنّه سرعة التّأقلم، فإنّ الدّيجيتال بالنّسبة إلى المُنتمي إلى الحقل الثّقافي إبداعا، كما أيضا إلى المنتمي إلى الحقل ذاته صحافة واتصالا، أصبح حتمية وَجب التّكيف معها والتّفاعل بها، وكلّ متخلف عن هذا الرّكب إنّما يضع نفسه خارج مسار التّاريخ”.

ويسترسل الباحث الجامعي في فلسفة الفن: “حتمية استثمار هذا المحمل التّقني واستغلاله، إنّما هي تأقلم مع واقع تكنولوجي لا مفرّ منه، ومثل هذه الأسئلة تُطرح في لحظات الانتقال من مرحلة تقنية إلى أخرى، أمّا حينما يستقّر الأمر ويصبح التّعايش معه أمرا مفروغا منه، ينتهي عصر التّساؤل لنمرّ إلى عصر الفعل والتّفاعل، وبناء على ما سبق فإنّ من يُريد لنفسه النّجاة والتّواصل والحياة، عليه عدم لفظ هذه التّقنية الجديدة المُستجدّة أو رفضها، بل عليه امتلاكها والتّفاعل معها”.

وينتهي العرفاوي إلى الإقرار بأنّ القدرة على ضمان أسباب الوجود المادي والافتراضي مستقبلا، تقتضي إجادة المسك بناصية الديجيتال الذي غزى كامل نواحي الحياة، مُوضّحا: “إنّنا في واقع إبداعي افتراضي جديد، في عصر الذّكاء الاصطناعي الذي من أبجدياته البسيطة الفهم المتين والتّمكن العميق من لغة العصر: الديجتيال، وذلك بكسر تلك الحواجز النّفسية الوهمية، والجدران المُتخيّلة العالية التي يُقيمها المُبدع بينه وبين العوالم الرّقمية، وذلك من خلال إصراره على إيصال صوته بشتى الطّرق، وأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيُمكث في الأرض”.

بين الشكّ والتحقّق

على عكس أسماء وسلاتي وسفيان العرفاوي يشكّ السيناريست المصري سيد فؤاد في أن الديجيتال يثقّف، مُستندا في ذلك إلى الثقافة بمعناها التقليدي، التي تقول: “أن تكون ملما بشيء من كل شيء”.

ويردف: “الديجيتال يثقّف الثقافة البسيطة وليس الثقافة العميقة”، مُبرّرا: “لأنّه ومن خلال عالم الديجيتال لا تتمّ القراءة الكافية والمستفيضة للمواضيع التي يطرحها، بالإضافة إلى أنّه يوجد تشتيت شديد في هذه الشبكات العنكبوتية لفكرة الثقافة ومفهومها أصلا، وفي رأيي الثقافة بهذا الشكل تضمحل والأمر ذاته ينسحب على المثقفين والقراء الذين سيتقلّصون رويدا فسريعا”.

ويسترسل رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، مُؤكّدا: “فكرة ثقافة أو مثقّف، في رأيي مُرتبطة بقراءات مُستفيضة ومُتخصّصة كلّ في مجاله، في الأدب، في الشعر، في المجالات العلمية أيضا، وعليه فالقراءات التي تتمّ من خلال الديجيتال هي خفيفة، وبسيطة، بل حتى غير موثوق أحيانا في مصادرها ومعلوماتها”.

ويرى فؤاد أيضا أنّ قراءة الكتب، مثلا، على الديجيتال يُمكن أن تُثقّف إن حققّت أعدادا كبيرة من المُتابعين والقراء، بعيدا عن آراء المُتفاعلين التي تبدو أحيانا سطحية وحينية دون العمق المطلوب، لذلك يقول: “لديّ شكّ في أن الديجيتال يُثقّف بشكله التقليدي أو الموسوعي، لكنّه يُثقّف بشكله البسيط، لا غير”.

توظيف الديجيتال في تثمين التراث

في المقابل يقول الحكواتي والباحث في التراث الشفوي هشام درويش: “المُراهنة على صنع محتوى ثقافي مُفيد للمُتلقي بمحامل مُختلفة وأساليب مُغايرة بما تُتيحه آليات التواصل الاجتماعي، مفيدة في كلّ الحالات، لأنّه عندما تُفعّل هذه الكلمة التواصل في الاتجاه الصحيح يُصبح الديجيتال هو الوسيط الفني والثقافي والإعلامي بين المادة والمضمون وبين المتلقي”.

ويستحضر “الفداوي” (الحكواتي) التونسي في هذا الشأن تجربته الخاصة، مُوضّحا: “هنا يُمكن التعريج على تجربتي الذاتية التي انطلقت فيها منذ 2018، عندما وظّفت الديجيتال لتثمين التراث الشفوي التونسي وتقريبه من المتلقي والمُتصفّح لمواقعي في الديجيتال بمختلف مجالاته؛ يوتيوب، إنستغرام، فيسبوك، وأخيرا تيك توك.. محامل أتناول فيها مُختلف مُكوّنات الموروث الثقافي الشفوي بمُقاربة إبداعية تربوية خاصة تجاه شريحة الأطفال، وبالتالي يُصبح الديجيتال مصدر معلومات تتضمّن العبر والقيم الكونية، فتكون لها الأثر الطيب في سلوكات الطفل في علاقة بمحيطه الأسري والتربوي والاجتماعي”.

ويسترسل درويش: “كلّ ما سبق جعلني أكرر التسجيل في ماجستير بحث في علوم التراث اختصاص تراث تقليدي، والآن بصدد إعداد مذكرة البحث عن رهانات الحكاية الشعبية في زمن تعدّد الوسائط الرقمية، والفرضية التي سأدافع عنها، هي: إلى أي مدى يُمكن توظيف التكنولوجيا ومنها الديجيتال في تثمين الحكاية الشعبية، في المحصّلة يُمكنني القول إنّ الديجيتال عملة بعديد الوجهات تختلف باختلاف الاستعمالات”.