وجدي بن مسعود
مزيج من الأفكار المناهضة للماسونية ونظريات المؤامرة المرتبطة بمفهوم الدولة العميقة، مع حضور واضح للدعوات العنصرية المنادية بتفوّق العرق الأبيض.
توليفة هجينة من المعتقدات والقناعات السياسية والفكرية، جعلت من جماعة “كيو أنون” المناصرة لدونالد ترامب بمثابة شحنة قابلة للتفجير، سرعان ما تناثرت شظاياها بين أروقة الكابتول الأربعاء الماضي، خلال واقعة اقتحام الكونغرس.
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي “الأف ب آي”، قد أعلن عن إيقاف بعض عناصر هذه الجماعة الهمجية المطرفة، شاركت في عمليات الاقتحام والنهب والتخريب بالكابتول، من أبرزهم جاكوب أنتوني تشانسلي الذي تمّ تداول صوره على نطاق واسع وهو يرتدي قبعة من الفرو والقرون.
ويطلق على تشانسلي لقب “عراف كيو أنون”، وقد وجهت إليه تهم تشمل الاقتحام العنيف والسلوك غير المنضبط.
نظرية المؤامرة
رغم نشأتها الحديثة قبل ثلاث سنوات، إلا أنّ جماعة “كيو أنون” التي تستمد تسميتها من حساب يطلق على نفسه “كيو”، ويقوم بتسريب أسرار ومعلومات من الدوائر السياسية والمحيطة بدونالد ترامب – عرفت انتشارا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بفضل جيش من المتطوعين على المنصات الرقمية، ما أسهم في اتساع دائرة المنضويّين تحت لوائها بالآلاف.
تروّج الحركة لنظريات المؤامرة عبْر مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل مجال نشاطها الأساسي، ويقول أتباعها: “إن الدولة العميقة تسيطر على الولايات المتحدة منذ عقود”.
تُدار الدولة العميقة بحسب معتقدات هذه الجماعة، عبْر منظمة سرية تضمّ مسؤولين كبار في الإدارات الأميركية، إلى جانب عائلة روتشيلد المصرفية اليهودية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي الكبير في الولايات المتحدة، والمستثمر النافذ جورج سوروس، ونخب سياسية عالمية أخرى.
المنظمة السرية المزعومة تعمل على تشكيل نظام عالمي جديد تتخلّى فيه الدول عن سيادتها الوطنية، ويستهدف الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ما يجعل من إعادة انتخاب ترامب واستمراره بالرئاسة، ضمانة لإجهاض هذه المخططات والتصدي للدولة العميقة.
تأييد شعبي وسياسي
وتلقى شعارات ترامب ذات النزعة اليمينيّة، وخاصة منها “لنجعل من أمريكا عظيمة مرة أخرى”، رواجا كبيرا بين أعضاء هذه الجماعة باعتبارها تجسيدا لمشروعه في مواجهة “المؤامرات الخفية” التي تستهدف استقلال الولايات المتحدة وازدهارها الاقتصادي ونظامها.
لا تقتصر دائرة التأييد الواسعة التي تحظى بها “كيو أنون” على القواعد الشعبية القريبة من اليمين والمتطرّفين فحسب، ذلك أنّ عددا من الدوائر القريبة من ترامب عبّرت في مناسبات كثيرة عن دعمها للجماعة يتقدمهم مستشار ترامب السابق للأمن القومي مايكل فلين، الذي نشر في السابق مقطع فيديو على تويتر يكرّر فيه شعار الحركة، كما سبق لأصغر أبناء ترامب إريك أنْ نشَر شعارات الحركة على إنستغرام.
وكشفت منظمة “ميديا ماترز”، أنّ 14 مرشّحًا ممّن خاضوا الانتخابات التشريعية في نوفمبر الماضي أبدوا تأييدا للحركة.
وأشارت المنظمة إلى أنّ ترامب نفسه أعاد نشر نحو 90 تدوينة صادرة عن مؤيّدين “لكيو أنون” خلال الأشهر الماضية.
كيو أنون ومواقع التواصل
الحرب التي أعلنتها منصات التواصل الاجتماعي لوقف دعوات التحريض والعنف، لن تقتصر عن حدود الرئيس المنهية ولايته بعد إغلاق حساباته بشكل نهائي على تويتر وفيسبوك، ذلك أنها ستتّخذ نطاقا أوسع بهدف تجفيف المنابر الافتراضية التي تروّج لأفكار ترامب وتدعمه اعتمادا على منهج الفوضى والعنف والراديكالية.
ومع ثبوت تورّط “كيو أنون” في أحداث الأربعاء الأسود، صعّدت فيسبوك وتويتر من حملة تعقّب وملاحقة الحسابات والمجموعات التي تروّج لمبادئ الجماعة وأفكارها، وحظْر المنشورات الدعائية وكذلك الإعلانات المتعلقة بها.
ومنذ جويلية (يوليو) الماضي أعلنت إدارة تويتر أنها ستتوقّف عن التوصية بمحتويات وحسابات “كيو أنون”، كما ستحظر ما يقارب عن 150 ألف حساب بشكل دائم بسبب انتهاك القوانين وخصوصيات الاستعمال.
وصعّدت فيسبوك من إجراءاتها السابقة ضدّ الحركة، معلنة أنها ستزيل أي صفحة أو مجموعة أو حساب يُمثّلها، بعد أنْ حظرت الأسابيع الماضية الإعلانات التي تُشِيد بها.