عالم

ما بين “طهران” واغتيال فخري زادة … عندما تعيد الدراما الإسرائيلية إنتاج الاغتيالات

لم يكن اغتيال العالم النووي الإيراني محْسِن فخري زادة، في قلب عاصمة بلاده وفي وَضَح النهار، مشهدًا من سلسلة “طهران” التلفزيونية الإسرائيلية؛ بقدْر ما جسّد واحدًا من أكبر عمليات التصْفيّة، التي نفّذها الموساد ضدّ نُخْبةِ العلماء الإيرانيِّينَ بالسنوات الأخيرة.

معتقلو 25 جويلية

العمليات الإسرائيلية المتسلْسِلة منذ سنة 2010، استهدفت أبرز العقول التي أشرفت على تطوير البرنامج النووي الإيراني، وهم: مجيد شهرياري، وداريوش رضائي، ومسعود علي محمدي، ومصطفى أحمدي روشن، وفريدون عباسي.

بالمقابل تنْطلق سلسة “طهران” التي أنتجْتها مِنصّة “آبل تيفي” الإسرائيلية، من الملف النووي الإيراني الذي يُعدُّ محْور الاشتباك، والمواجهة السياسية والاستخباراتية بين إيران وإسرائيل؛ للترْويج لبروبغندا سياسية خالصة، على طريقة المؤثرات السينمائية الأمريكية، عن نظرية القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.

على مدار 16 حلقة؛ يَستعْرِض السيناريو بأسلوب دِعائيٍّ مبالغ فيه ومضخّم؛ نجاح العميلة الصهيونية تمار رابينْيان في تنفيذ مهمّةٍ في قلب إيران؛ لتفكيك وتعطيل الرادارات والدفاعات الجوية الإيرانية؛ ليخْتتم المسلسل على وقْع مَشاهِدَ بطوليةٍ حماسيةٍ مزعومةٍ للطائرات الإسرائيلية، وهي تقوم بضرْب المفاعل النووي الإيراني، والقضاء على مشروع نظام الملالي لصناعة أسلحة ذرِيّة تُهدِّد وجود الكيان الغاصب.

مَن يستنْسخ الآخر؟ أهي الدراما الصهيونية، أم مخططات المخابرات الإسرائيلية؟.

 سؤال يتبادر إلى الذهْن عند التمعُّن في تفاصيل عملية اغتيال فخري زادة، التي حفلت بالنزْعة الاستعراضية وإعلان القوة؛ حتى بَدَت أقرب إلى محاولة إبراز نفوذ وسطْوةِ الإسرائيليِّين، وقُدْرتِهم على بلوغ أيّ هدف على بُعْد آلاف الكيلومترات من الأرض المحتلة.

بدَا أنّ مخططُ استهداف فخري زادة مفرطًا في التعقيد، ومناقضًا للفلسفة الأمنية الإسرائيلية، التي تنزع عادةً إلى تنفيذ عملياتها بأقلّ قدْر مُمكن من المخاطر والعملاء على الأرض، وهو ما يتّضِح في طريقة تنْفيذ الهجمات السابقة ضدّ العلماء الإيرانيِّين، اعتمادًا على تفجير سيارة مُفخّخة عن بُعد، أو زراعة قنْبلة بسيارة الضحية. 

   وعلى الرغم من أنّ التكتيكات الصهيونية أضحت مكشوفة أمام الأمن الإيراني، والذي عمد منذ 2012 إلى إحاطة النُّخبة العلمية بإجراءات تأمين وحماية مُكثّفة وفريق من الحراس الشخْصيِّين، إلا أنّ هذه الاحتياطات لا تُبرِّر “النزعة الفرجوية المُتعمَّدة” في تنفيذ الهجوم على موكب فخري زادة، والذي تبدو تفاصيله “أقرب إلى أفلام الحركة الأمريكية”، بحسب تعبير الصحفي الإيراني جواد موغويي.

في تدوينة نشرها على تويتر، يُحلّل الصحفي الإيراني معالم الخطة الإسرائيلية، والتي اعتمدت على تفجير شاحنة أمام موكب فخري زادة؛ ليبْدأ بعدها مباشرة إطلاق النار عن بعد من رشاش أوتوماتيكي مثْبَت في سيارة مركونة على حافة الطريق، فيما قام 8 عناصر مُسلّحة على متْن سيارة ثانية وعدد من الدراجات النارية، بإطلاق النار مباشرة على الهدف وفريق حمايته.

وبحسب موغويي: فإنّ فريق الاغتيال الذي ضمّ 12 شخصًا كان بحاجة إلى 50 فردًا على الأقل؛ لتأمين الحماية والدعم اللوجستي عند الحاجة، وتغطية انسحابهم من المكان، وهو عدد يكشف ضخامة العملية وتفاصيلها التي يُفْترَض أنْ تُعْتمد؛ لتصفية هدف أكثر أهمية، ويحظى بتغطية أمنية أكبر.

بدورها تبدو الصناعة الدرامية والسينمائية الإسرائيلية، بمثابة إعادة إنتاج لعمليات الاغتيال والمهام القذرة التي يُنفّذها جهاز الموساد، إلى درجة أنّ مستوى الحبْكة الفنية لأغْلب الأعمال، سواء منها المستوحاة من أحداث حقيقية، أو سيناريوهات خيالية تتميز بالمبالغة المفرطة، وتكاد تتحول إلى محْض تلميعٍ وترويجٍ للقوة الإسرائيلية، ومخالبها القادرة على اصطياد أيّ هدف في أيّ مكان في الأرض.

مُجرَّد إلقاء نظْرة فاحصة على بعض العمليات الإسرائيلية، التي رُصِدت لها ميزانيات طائلة، وحُشِد لبطولتها كبار نجوم هوليود؛ كفيل بتأكيد هذا الاستنتاج، على غرار الفيلم الذي أُنْتج عن عملية عنتيبي، وقصة تدخل الكوموندوس الإسرائيلي؛ لتحرير الرهائن من قبْضة الفدائيِّين الفلسطينيِّين سنة 1976م، وكذلك فيلم ميونيخ الذي يُوثِّقُ لِكتيبةِ الاغتيال الإسرائيلية، التي كُلّفت بملاحقة وتصفية مُختطفي الوفد الرياضي الإسرائيلي خلال الألعاب الاولمبية، وهي أعمال لا تكتسي أيّ عمْقٍ فنّيٍّ، ولا تخْرُج عن كوْنها ترويجًا للدعاية الإسرائيلية.