ثقافة

ما الديجيتال وما الثقافة؟.. فنانون وصحفيون يُؤكّدون: ثقافة للعين لا للعقل

صابر بن عامر

تحوّل العالم مع بداية الألفية الثالثة من مسار إلى آخر هو العالم الرقمي أو الديجيتال، وباتت كل المكوّنات الفكرية و”الفيلمية” وحتى الرمزية منها مُنصهرة في سياق هذه التقنية، مُتاحة بسلاسة ومرونة بين أيدينا بضغطة زر واحدة بسيطة.. فهل الديجيتال يُثقّف؟

سؤال طرحته بوابة تونس، فتباينت الإجابات بين مُنتصر للحامل الجديد ورافض له.. وكانت هذه الإجابات لبعض المُثقّفين والمُختصّين من تونس والوطن العربي في جزئها الثالث:

بين التميّز والانزياح

عن سؤالنا يقول المخرج السينمائي والفنان التشكيلي التونسي مروان الطرابلسي: “أظنّ أنه مع الديجتال أصبح الأمر أسهل للوصول إلى المعلومة، والبحث يكون سريع ولا يستغرق وقتا مثل البحث في الكتب، هذا الجانب الإيجابي في التقنية، لكن لا نستطيع ولا نستمتع بقراءة كتاب كامل إذا كان رقميا، فهذا يتطلب مجهودا بصريا كبيرا وفكريا كذلك، لذا أرى أنّ للديجيتال  مُميّزاته وفوائده في الوصول إلى المعلومة، لكنه غير كاف لإثراء ثقافتنا بالوجه الأكمل”.

وفي السياق ذاته، ترى الإعلامية بالتلفزة الوطنية التونسية ندى الكنزاري، أنّ “الديجيتال سلاح ذو حدين”، مُؤكّدة: “نعم إنّه منبع كبير وغزير للثقافة يُسهّل البحث، ويُعطينا مجالا للمُقارنة بين العديد من الدراسات ويمنحنا العديد من الشواهد على مواضيع بحثنا، كما يُسهّل علينا مهمة المطالعة وتبادل الآراء والأفكار.. لكن في المقابل، وفي حالة سوء استعماله يُمكن أن يكون مصدر خطر على مُستعمليه، حيث توجد المعلومة الخاطئة والموظفة قصد إتلاف  عقول الشباب خاصة، ونشر ثقافات أيديولوجية خاطئة، وتسميم العقول والزجّ بها في طريق محفوف بالمخاطر كالإرهاب نموذجا”.

لكل عصر مُدوّنه الخاص

وفق دراسة تحليلية كرونولوجية يُجيب الصحفي والسينمائي السوري نضال قوشة عن سؤالنا، قائلا: “لا بد للمعرفة الإنسانية أن تنتقل من جيل إلى آخر، عبر تتالي الشخوص والعصور، هذه المعرفة تعيش في العقل، يعيشها ويُطوّرها ثم يعيد إرسالها إلى المزيد من الناس. هنا تكمن أهمية الوسيلة التي يعتمد عليها الناس في إيصال الأفكار ونقلها من جيل إلى آخر.. كانت البداية في جدران الكهوف، حيث عمد الإنسان الأول إلى الكتابة والرسم عليها لنقل أفكاره، ثم كانت الأحجار والمسلات، فتطوّر الأمر للكتابة على جلود الحيوانات والأقمشة إلى أن استقر طويلا جدا على الورق. وفي عصرنا الراهن وصلنا إلى الديجيتال والنت والإنترنت والعالم الالكتروني والذكاء الاصطناعي”.

ويسترسل: “السؤال المطروح هنا: هل الديجيتال يُثقّف؟ بالنسبة إلي: نعم ولا..  والأمر مرهون بمن يستثمر الديجيتال أو أي وسيلة قبله لنقل المعرفة؟ فقديما كل هذه الوسائل حملت الفكر المُتجدّد القيّم وكذلك السيّئ المُتخلّف، والآن الديجيتال يحتوي على معلومات هائلة في المعرفة الحديثة والقديمة، كما يحتوي على معلومات هائلة من الثرثرة والتفاهة”.

وعليه -وفق قوشحة- الأمر مرهون بعقلية المُستثمر للمعلومة، فكما توجد مواقع وجهات للمُحادثة الفارغة وإضاعة الوقت، هناك، أيضا، مواقع وجهات تُعلّم اللغات وتنقل المعرفة وتنشر آخر الدراسات والابتكارات.. الديجتال يُقدّم المعرفة والقيمة المُضافة العلمية، وبالتالي فإن الثقافة لمن يُريدها”.

لا شيء يعوّض حميمية الفرجة المُباشرة

بدوره يقول الصحفي التونسي ناجح مبارك، مُجيبا عن سؤالنا: “هو سؤال محوري بالنظر إلى التحوّلات الثقافية الراهنة، حيث عوّض الديجيتال أو المحمل الرقمي الكتاب المفتوح، لكن الرقمي هو في حد ذاته أصبح كتابا مفتوحا على التعدّد والاختلاف، والأمر مرتبط هنا، بتصوّر الكاتب مثل القارئ للمحتوى وحسن التوظيف قراءة ونقدا”.

ويسترسل مبارك: “ثمة محامل رقمية يُمكن من خلالها أن نطّلع على عدة كتب ودراسات ومسرحيات وأفلام، دون أن نتحوّل إلى المكتبات أو قاعات السينما أو قاعات العروض المسرحية.. صحيح قد نُغذّي العين مثل الأذن بالقراءة أو المُشاهدة عن بعد، لكن لا هذا ولا ذاك يُعوّضان الاتصال المباشر بالنص أو بالركح أو بقاعة السينما المظلمة، وفي هذه الفضاءات نرحل لوحدنا أحيانا ومع المشاهدين والفنانين في أحيان أخرى، وقد نتواصل معهم بعد العرض في نقاش مفتوح، وهو ما لا يوفّره العالم الرقمي، إلّا لماما.”

ويخلص الصحفي التونسي إلى أنّ “الديجيتال على أهميته لن يُعوّض التواصل الإنساني المباشر، ولن يُعوّض مشهدا مسرحيا يُعانق فيه الممثل زميلته، ولا الكاتب عندما يُحاور نصّه.. إنّ الأمر مُرتبط هنا بحقوق التأليف والحقوق المُجاورة”.

أكذوبة القرن الحادي والعشرين

لئن كان جلّ من سبق سُؤالهم من صحفيين تونسيين وعرب في تقريرنا عن: هل الديجيتال يُثقّف؟ تراوحت إجاباتهم بين المُنتصر للتقنية مع بعض التحفّظات، فإنّ الملحّن التونسي عبدالرحمان العيادي، أتت إجابته قطعية بقوله: “أبدا، الديجيتال لا يُثقّف”، مُبرّرا: “أنا ضدّ هذا العالم الذي لا أراه يُضيف شيئا إلى الإنسانية، على العكس يجعلنا نعيش في عالم افتراضي لا حدود له، ولا موانع”.

ويسترسل المايسترو التونسي: “بالنسبة إلي شخصيا، لا أستعمل فيسبوك، إلّا في ما ندر، وذلك لنشر بعض المقاطع الموسيقية لي أو لأصدقائي، أو بعض المقالات الصحفية المختصّة، أو للتواصل مع بعض مديري المهرجانات، عدا ذلك أعتبره مضيعة للوقت والجهد”.

ويختم صاحب رائعة “إلى حضن أمي يحنّ فؤادي”، جازما: “الديجيتال بالنسبة إلي، أكذوبة العصر، فبعض الفنانين يدفعون الغالي والنفيس من أجل تسريع انتشار أغانيهم، في المنصات المُختصة ومواقع التواصل الاجتماعي وجلب أكبر عدد مُمكن من “اللايكات” مدفوعة الأجر سلفا، وهي في الحقيقة أرقام مُخادعة له قبل مُعجبيه، وعليه أنا أرفض هذه التقنية شكلا ومضمونا”.