بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الخميس 26 أوت/أغسطس، زيارة رسمية إلى الجزائر تستمرّ ثلاثة أيام، يسعى من خلالها إلى طيّ صفحة القطيعة والتوتّر التي خيّمت على العلاقة بين الجانبين على مدار الأشهر الماضية، وإعادة بناء جسور الثقة مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.
وحلّت طائرة ماكرون بمطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية، في حدود الساعة الثالثة ونصف مساء بالتوقيت المحلّي، حيث كان في استقبال ماكرون نظيره الجزائري تبون، ليتوجّها بعد ذلك إلى نصب الشهيد التذكاري وسط العاصمة، لوضع أكليل من الزهور تحيّةً لذكرى شهداء ثورة التحرير الوطنية.
أهم الأخبار الآن:
بُعد اقتصادي
ويرافق ماكرون في زيارته وفد هو الأكبر يضمّ 7 وزراء، ما يشير إلى مخرجات مهمّة للزيارة على صعيد الاتفاقيات وتعزيز التعاون والشراكة في مجالات عدّة، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
وتبيّن تصريحات ماكرون، الذي أكّد أن زيارته إلى الجزائر سيكون محورها الرئيسي “الشباب والمستقبل” ولقاءه المرتقب مع عدد من رواد الأعمال الجزائريين الشباب، العمق الاقتصادي للزيارة التي ستتصدّر مباحثته مع المسؤولين الجزائريين.
وفي سياق متّصل قالت الرئاسة الفرنسية: “إنّ ملف الغاز والطاقة لن يكون مطروحا خلال الزيارة”، رغم ما يشكّله من أهمية حيويّة لفرنسا ومن الاهتمام الواسع لعديد الدول الأوروبية بمدّ جسور الحوار والتواصل مع الجزائر، التي تعتبر عاشر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، ما يجعل من إنتاجها بديلا ممكنا للغاز الروسي.
الانسحاب من مالي والنفوذ الروسي
المستجدّات الإقليمية على صعيد منطقة الساحل والصحراء، وكذلك المرتبطة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ستكون من بين مواضيع اللقاءات بين تبون وماكرون، بحسب مراقبين.
ومن المتوقّع أن يناقش الرئيسان الوضع في مالي بعد انسحاب الجيش الفرنسي، والنفوذ الروسي المتزايد في إفريقيا.
وتضطلع الجزائر بدور محوري في المنطقة، نظرا إلى حدودها المشتركة مع مالي والنيجر وليبيا.
وفي تصريحات صحفية لقناة “فراس 24″، أشار الخبير السياسي الجزائري منصور قديدير إلى أنّ “تحسين العلاقات بين فرنسا والجزائر ضرورة سياسية، بالنظر إلى مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والنزاعات في الساحل والحرب في أوكرانيا”.
قضية التأشيرات الفرنسية للجزائريين، ستحضر كذلك في قلب النقاشات بعد قرار خفضها إلى النصف العام الماضي.
الخلافات
وبدأ التوتّر يعصف بالعلاقات الجزائرية الفرنسية بعد تسريب تصريحات لماكرون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصف فيها النظام الجزائري بـ”المتحجّر”، وشكّك في وجود أمّة جزائرية قبل الاستعمار، وهو ما تسبّب في غضب جزائري شعبي وسياسي واسع النطاق.
وبلغت العواصف الدّبلوماسية والسياسية ذروتها مع قرار الجزائر دعوة سفيرها في باريس محمد عنتر، للتشاور، والذي تزامن مع فصل من التصعيد بعد قرار السلطات الفرنسية تشديد إجراءات منح التأشيرة للجزائريين، بدعوى رفض الجزائر إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لترحيل المهاجرين غير النظاميين إليها.
ملف الاستعمار والذاكرة المشتركة
وتعدّ هذه الزيارة، الثانية لماكرون إلى الجزائر منذ توليه الرئاسة، لكنها تأتي في أجواء مختلفة عن زيارته الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2017.
فعقب انتخابه للمرة الأولى في ماي/مايو 2017، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي الشاب إلى الجزائر محمّلةً بالآمال والتطلّعات الواسعة بتدشين مرحلة من التعاون وتشبيك العلاقات على المستويين السياسي والاقتصادي، خاصّة في ظل الحماس والارتياح اللّذين أبدتهما عديد الأوساط السياسية في الجزائر لفوز ماكرون، انطلاقا من مواقفه الإيجابية وعلاقاته الوطيدة بعديد الشخصيات وعلى رأسهم الرئيس تبون.
وساهمت تصريحات ماكرون خلال الحملة الانتخابية بشأن ملف الإرث الاستعماري في الجزائر، والذي وصفه بكونه “جريمة ضدّ الإنسانية”، في تعزيز الانطباع بوصول رئيس من جيل جديد، متحرّر من إرث تاريخي معقّد وكل ما يرتبط به من ملفات خلافية بين الجانبين.
مبادرات ماكرون لحسم ملفّ الاستعمار الفرنسي وحرب الجزائر، لم تلق قبولا جزائريا على المستوى الشعبي والسياسي، نظرا إلى كونها لم تلب المطلب الرئيسي المتعلّق باعتذار رسمي عن حقبة الاستعمار الفرنسي وجرائمه.
ومنذ وصوله إلى الإليزيه، أبدى ماكرون اهتماما كبيرا بملف الذاكرة المشتركة، وعمل على تطبيع العلاقة بشكل نهائي وطيّ صفحة الخلاف المرتبط بملف الاستعمار من خلال عدة مبادرات، أبرزها تكليف الباحث والأكاديمي الفرنسي بنيامين ستورا بإعداد تقرير عن حقائق الاستعمار الفرنسي وحرب الجزائر، تضمّن توصيات لتكريم الحركة الوطنية الجزائرية والاعتراف بانتهاكات مرتكبة من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي.
واعترفت السلطات الفرنسية، في هذا السياق، بالمسؤولية عن مقتل عالم الرياضيات اليساري الفرنسي والمناصر للثورة الجزائرية موريس أودين، إلى جانب المحامي الوطني علي بومنجل، بعد إنكار استمرّ طيلة عقود. كما أدان ماكرون مذبحة 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، والتي ذهب ضحيّتها آلاف المتظاهرين الجزائريين بالعاصمة الفرنسية، ووصفها بـ”الجرائم التي لا مبرّر لها”.
وتضمّنت “الإيماءات التي قام بها ماكرون تجاه الجزائر”، على حدّ تعبيره، قرارا برفع السرية عن الأرشيف الخاصّ بالمرحلة الاستعمارية، وهو مطلب كان يمثّل “خطّا أحمر” لكل رؤساء فرنسا السابقين.
لكن جملة المبادرات التي قدّمها الرئيس الفرنسي، لم تعوّض الاعتذارات الرسمية التي يطالب بها الجزائريون.
ومن المستبعد، وفق تقارير صحفية، أن يتطرّق ماكرون إلى قضية الإرث الاستعماري والذاكرة المشتركة خلال زيارته الحالية.
أضف تعليقا