عالم

ماكرون يدفع ثمن تاريخ فرنسا الدموي في إفريقيا

عن الإرث الاستعماري الفرنسي في أفريقيا والثمن الذي يدفعه الرئيس إيمانويل ماكرون عن مجازر بلاده في القارة السمراء، كتبت وكالة بلومبرغ يوم 14 أكتوبر، قائلة إن فرنسا فقدت نفوذها في أجزاء من إفريقيا بعد أن سيطرت عليها يوماً ما. ترى بلومبرغ أن فشل فرنسا في معالجة انتهاكاتها في مستعمراتها السابقة نتج عنه إثارة التوتر العنصري في الداخل الفرنسي. تذكر الوكالة بأن باريس كانت تعرض جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية الذين قُطعت رؤوسهم قبل أن تستعيدها الجزائر في جويلية الماضي. 

 24 نعشًا مغطاة بالأخضر والأبيض والأحمر علم الجزائر حُملت على الأعناق في موكب مهيب، عادت رؤوس المقاومين إلى أرضها (الجزائر) لتدفن بعد أن مكثت عقوداً معروضة في متحف باريسي. 

تقول الوكالة الأمريكية إنه بالنسبة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كانت تلك اللحظة اعترافاً بمجزرة ارتكبها الفرنسيون منذ أكثر من 170 عامًا. لكن بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعد هذا جزءًا من جهوده لإبراز صورة حديثة عن الدولة الفرنسية في وقت تم فيه الكشف عن التمييز العرقي في فرنسا نفسها بعد انتشار موجة احتجاجات حول العالم انطلقت من أمريكا وشعارها Black Lives Matter ضد عنف الشرطة ضد السود.

ومن المقرر أن يناقش المسؤولون الماليون في مجموعة العشرين خطة مدعومة بشدة من فرنسا لتخفيف الديون الأفريقية يوم الأربعاء، ربما كان ماكرون يتوقع أن يُمنح وضعًا خاصًا، تقول بلومبرغ، لكنه في الواقع يكافح من أجل الحفاظ على الدور التاريخي لفرنسا في جزء من القارة التي هيمنت عليها باريس أكثر من قرن.

قال ماكرون إنه يريد إعادة آثار وتحف أفريقية استحوذت عليها فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية وإنه يؤيد الجهود في دول غرب إفريقيا للتخلي عن العملة الموحدة المدعومة من فرنسا ووعد بفتح أرشيفات الإبادة الجماعية التي وقعت في ظل حكومة تدعمها فرنسا في رواندا. لكن هذا لن يكون كافيا.
تقول بلومبرغ إن قادة القارة لم يعودوا معتمدين على فرنسا في حين أن جهود ماكرون لمد الجسور معها تتراجع بسبب تمدد شعبية مارين لوبان اليمينية المتطرفة التي فازت بثلث الأصوات في انتخابات الرئاسة عام 2017.

تقول الوكالة إن التوترات الاجتماعية في المدن الفرنسية وفقدان النفوذ في الخارج مردهما القضية ذاتها: فشل فرنسا في مواجهة ماضيها الدموي. وتستشهد الوكالة بإبراهيم سنوسي أستاذ الفيزياء بجامعة سيرجي بونتواز الذي قاد حملة استغرقت 10 سنوات لاستعادة جماجم المقاومين إلى الجزائر.

وقال في مقابلة صحفية: “ماكرون في الخطوط الأمامية في هذه المعركة ويسعى من أجل المحافظة على مكانة فرنسا في العالم”.

بعد استقلال مستعمرات فرنسية كثيرة في إفريقيا قبل حوالي 60 عامًا، أنشأ شارل ديغول شبكة من العلاقات للحفاظ على النفوذ الفرنسي. وقدمت باريس الدعم العسكري للأنظمة الصديقة مقابل منح الدعم الدبلوماسي والصفقات المربحة لشركاتها وغالبًا ما تغض باريس الطرف عن الانتهاكات المحلية، حتى بعد الاستقلال في عام 1962، عرّضت التجارب النووية الفرنسية آلاف الجزائريين للتسمم الإشعاعي.

لقد أدان الرؤساء الفرنسيون السابقون هذا الإرث الاستعماري لكن لا أحد حاول فعل الكثير حيال ذلك تقول بلومبرغ.

جرائم فرنسية ضد الإنسانية
تواجه فرنسا تحديات في المستعمرات الأفريقية السابقة، فماكرون (42 عاما) هو أول زعيم فرنسي يولد بعد الحقبة الاستعمارية الفرنسية وفي حملته الانتخابية في الجزائر عام 2017 ، وصف الإجراءات الفرنسية في البلاد بأنها “جريمة ضد الإنسانية” وهي كلمات غير مسبوقة لمرشح رئاسي.

الاستعمار الفرنسي للجزائر كان مختلفاً عن بقية المستعمرات فالجزائر كانت تدار كجزء من الدولة الفرنسية ولم تحصل على الاستقلال إلا بعد حرب خلفت انقسامات ضخمة في المجتمع الفرنسي.

قال مسؤول مقرب من الرئيس إن ماكرون يعتقد أن فرنسا ظلت على مدى سنوات تعتبر علاقتها بمستعمراتها السابقة أمرا مفروغا منه.

قال ماكرون في خطاب ألقاه في 2 أكتوبر إن فرنسا بحاجة أيضًا إلى الوصول إلى فهم جديد لماضيها.

تقول بلومبرغ: في مالي أحرق المتظاهرون العلم الفرنسي العام الماضي متهمين القوات الفرنسية بالفشل في القضاء على تمرد متطرفين كانت فرنسا تشارك في القتال ضدهم منذ 2013.

“حين لا يكون هناك غضب، تُقابل فرنسا بلامبالاة من قبل جيل جديد من الأفارقة”، تقول بلومبرغ.

وقال مسؤول مطلع على السياسة الفرنسية إن ماكرون يريد أن يُنظر إلى فرنسا على أنها نصير لمصالح إفريقيا.

فيما قال مسؤول فرنسي حين وصل كوفيد 19 إلى إفريقيا، كان ماكرون يدعو إلى تعليق الديون واتصل بالحلفاء الأوروبيين للحصول على رد موحد. وتضيف الوكالة: تعلم ماكرون الدرس من مناقشة التاريخ خلال حملة 2017 حين قوبلت تعليقاته بشأن الجزائر بهجمات شرسة من لوبان. وقال فرانسوا فيون ، المرشح من التيار اليميني إن “كراهية ماكرون لتاريخنا لا تستحق أن يترشح للرئاسة “.

وتلمح الوكالة إلى مناورات ماكرون قبل انتخابات 2022 ، فهو يسعى إلى النأي بنفسه عن تلك الانتقادات التي طالته في حملته عام 2017.

 في أكتوبر كشف ماكرون النقاب عن مشروع قانون سماه “قانون ضد الانفصالية” يستهدف التيارات الإسلامية في فرنسا ومن شأنه أن يمنح صلاحيات جديدة لقمع من يراهم ماكرون يهددون القيم العلمانية للجمهورية.