عالم

ماكرون ولوبان…سياسة راديكالية واحدة تجاه المهاجرين

تصدر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومنافسته السياسية الأبرز مارين لوبان الدور الأول للسباق الرئاسي في فرنسا، حسب النتائج التي صدرت ساعات قليلة عقب إغلاق مراكز الاقتراع.

نتائج لم تشكل مفاجأة باعتبارها جاءت مطابقة للتقديرات واستطلاعات الأراء المتعلقة بنوايا التصويت، ما سيجعل من الدور الثاني والحاسم المؤدي إلى الإليزيه نسخة مكررة من انتخابات 2017، والتي حسمها ماكرون بفارق مريح بعد المفاجأة التي أحدثها بصعوده متجاوزا قائمة من الأسماء والسياسيين المخضرمين.

“كلاكيت” ثاني مرة بتفاصيل مختلفة

مشهد المنافسة حامية الوطيس ما بين مؤسس “حزب الجمهورية إلى الأمام” والذي يتموقع في خانة اليمين المعتدل، وزعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني لن يتكرر بالتفاصيل ذاتها، رغم استبيانات الأراء التي كانت تضع ماكرون قبل أسابيع قليلة في صدارة نويا التصويت بفارق مريح عن لوبان، التي تمكنت بفضل سياسة اتصالية ناجعة وتناول ذكي للقضايا الاقتصادية والمعيشية التي تمثل الشغل الشاغل للفرنسيين، من تقليص الفارق مع ماكرون إلى نقاط قليلة.

استفادت مارين لوبان من عدة عوامل لعل أبرزها، شعارات  المرشح الشعبوي المتطرف إيريك زمور ومواقفه، والتي جعلت صورتها أكثر اعتدالا مقارنة بدعايته العدائية والعنصرية ضد العرب والمسلمين.

كما ركزت لوبان على الملف الاجتماعي وخاصة مسألة الأجور، ورفض الضرائب والتضخم الذي بات يلتهم أغلب مداخيل الطبقة الوسطى في البلاد، ما جعلها أكثر قربا من مشاغل الفرنسيين، وساعدها على اختراق الفئات المترددة من الناخبين الذين لم يحسموا خياراتهم.

ويرجح المراقبون أن معركة الدور الثاني لن تكون صورة مطابقة للنصر المريح الذي حققه ماكرون في 2017، في ظل التقارب الكبير في نوايا التصويت بفضل الصعود المستمر لمارين لوبان أمام الرئيس المنتهية ولايته.

ويرجح الخبراء في الشأن الانتخابي أن تستفيد مارين لوبان من الخزان الانتخابي الكبير لمنافسها في الدور الأول المستقل إيريك زمور، في مقابل توجه قسم واسع من أنصار الاشتراكيين واليسار والمرشح الذي حل ثالثا جان لوك ميلانشون إلى مقاطعة التصويت ما يعقد من مهام ماكرون كثيرا.

وجهان يمينيان لعملة واحدة

رغم تجربته السياسية والحزبية السابقة صلب الحزب الاشتراكي وحكومة الرئيس فرانسوا هولند، وتوجهه الحزبي الحالي ضمن القوى الوسطية المعتدلة التي تتبنى النهج الليبرالي بنزعة اجتماعية، إلا أن العارفين بواقع الساحة السياسية في فرنسا، يجمعون على أن ميولات الرئيس الفرنسي ماكرون وخطابه وسياسته على مدار السنوات الخمس الماضية تكرس رؤية يمينية بامتياز.

قراءة ترى أن مشروع ماكرون السياسي لا يختلف عن مارين لوبان، إلا على مستوى بعض الخيارات الكبرى المرتبطة بالاتحاد الأوروبي والسياسة النقدية والاقتصادية، بينما تبدو خياراتهما متطابقة ومنسجمة على صعيد قضايا أخرى أهمها الهجرة والاندماج، ومواجهة مخاطر التطرف والأصولية “الإسلاموية” كما يطلق عليها السياسيون الفرنسيون.

حادثة مقتل المدرس الفرنسي صامويل باتي أواخر سنة 2020، كشفت حسب المتابعين حقيقة النزعة الراديكالية لدى الرئيس الفرنسي، بعيدا عن الشعارات التي طالما روج لها في حملته الانتخابية وخلال بدايات حكمه  عن الانفتاح وتثمين التنوع الثقافي والحضاري في فرنسا.

مثلت حادثة صامويل باتي ذريعة لماكرون لفرض سياسة أكثر تشددا تجاه الحريات الدينية للمسلمين، وتنسجم مع قناعته دشنها بفرض رقابة صارمة على الجمعيات والمساجد والهيئات الإسلامية، بحجة “تجفيف منابع تمويل التطرف والجهات المشبوهة” التي تسوق لخطاب متشدد حسب قوله.

تضييقات تفاقمت نغمتها بعد المصادقة على قانون “تعزيز قيم الجمهورية”، الذي قال عنه ماكرون أنه يهدف إلى مكافحة “الانعزالية الإسلاموية”، وتجذير ولاء الفرنسيين المسلمين والمنحدرين من أصول عربية وإفريقية وغيرها، لمبادئ الجمهورية الفرنسية وانتمائهم إليها.

مبادرة الإسلام الفرنسي

منحت مواد القانون صلاحيات واسعة لوزارة الداخلية لإغلاق عشرات المساجد والجمعيات والمنظمات الخيرية بسبب تلقيها تبرعات من الخارج، وذلك بالتزامن مع حملة إعلامية وسياسية واسعة أطلقها ماكرون لترويج رؤيته المتعلقة بـ”الإسلام الفرنسي”.

ارتكزت نظرية الإسلام الفرنسي على وضع تعليم العربية والتربية الدينية للمسلمين هناك تحت إشراف الدولة، وإنهاء استقلالية المساجد، ضمن تمش يهدف إلى خلق نموذج جديد للمسلمين أكثر انسجاما مع متطلبات “الهوية والثقافة الفرنسية”، ويجعلهم قادرين على الاندماج أكثر في مجتمعهم، ما يجعل ولاءهم وارتباطهم الوطني والثقافي لفرنسا بشكل مطلق.

ويعكس ترديد ماكرون لمصطلحات “الهوية والثقافة الفرنسية والاندماج” بحسب محللين للخطاب السياسي،  النغمة اليمينية القلقة ذاتها التي تتكرر في خطابات مارين لوبان، والتي طالما تناولت قضية تهديد “النموذج الثقافي الفرنسي الأصلي”، من خلال أسلمة فرنسا وتغير تركيبتها الاجتماعية والحضارية، والتي تهدد هويتها و”قيمها المسيحية ومنظومة العلمانية”.

لم يخف المضمون الاجتماعي الذي عملت لوبان على أن يكون محور حملتها الانتخابية، الدعاية المعادية للعرب والمسلمين التي تشكل أساس أيديولوجيتها،  وكررت في لقاءاتها الجماهيرية  المخاوف والشعارات ذاتها المعادية للمهاجرين، كما طرحت وعودا تتعلق بحظر الحجاب في البلاد والتعاطي بأكثر صرامة مع الترويج للأفكار المتطرفة والمهاجرين غير النظاميين. 

يجمع المراقبون على  أن فرضية فوز ماكرون بعهدة رئاسية ثانية، ستكون بمثابة “السيناريو الأقل سوءا” للأقليات المسلمة والمهاجرين و الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وإفريقية، لكنه بالمقابل يمهد الطريق لفوز كاسح لمارين لوبان بعد 5 سنوات، إذ ستكون المرشحة الأوفر حظوظا، انطلاقا من قاعدة التأييد الشعبي الواسعة التي راكمتها منذ انتخابات 2017، واستفادت منها و من ضعف  المنافسين  وتشرذمهم حتى داخل قوى اليمين الجمهوري.