تونس

ليلة النصف من رمضان.. عادات تونسية متوارثة

يسرى ونّاس
“ينبغي توريث هذه العادات والتقاليد للأطفال حتى لا تندثر وتبقى محفوظة لديهم رغم تغيّر الأزمان”.. الباحث في التراث فؤاد الزرلي يؤكّد
يسميها التونسيون “ليلة النص”، وتعمّ البهجة بقدومها ويملأ الفرح كل بيت مع بلوغ هلال رمضان النصف.
وتبدأ مظاهر الاحتفاء بليلة النصف من شهر رمضان قبيل أيام وتخصّص لها العائلات استعدادات مغايرة لباقي أيام الشهر الفضيل.
وتكون هذه المظاهر جليّة بهذه المناسبة، بدءا بحركة الأسواق التي تعجّ بالحرفاء منذ ساعات الصابح الباكر، وتتوفّر فيها كل الخيرات و”الشهوات” الرمضانية وسيّما ما يلزم لهذه الليلة “الخاصة”.
وتعدّ ليلة النصف من رمضان مباركة إذ قيل في فضلها إنها تعادل عشر ليالٍ. وقد روى الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الله عز وجل يغفر في هذه الليلة لجميع الخطايا والذنوب وينزل فيها الرحمة والبركة.
والاحتفال بليلة النصف من رمضان في تونس تقليد قديم ما يزال حيّا في الذّاكرة التونسية، متوارثا عبر أجيال.
الكسكسي.. سيّد الاحتفلالات والمناسبات
وفي هذه الليلة المميزة يتربّع “طبق الكسكسي” على موائد معظم التونسيين رغم التفاوت البسيط في طرق إعداده فلكل ولاية ومنطقة طريقتها وطقوسها في طهوه.
ومع مراعاة تلك الاختلافات يظل الكسكسي سيّد الاحتفالات وعنوان المأدبات والمناسبات التي لا تخلو من حضوره.
وتعدّ ليلة النصف من رمضان أيضا مناسبة لصلة الأرحام وتبادل الزيارات بين الأقارب والأهالي.
حفلات وزيارات
ويختار كثيرون إقامة حفلات الخطوبة أو قراءة الفاتحة في هذه الليلة المباركة، فيما يختار آخرون إقامة حفلات الختان إلّا أنّ هذه المناسبة تزدهر أكثر تزامنا مع ليلة الـ27 من رمضان.
ويؤدي بعض الشباب وعائلاتهم زيارات خاصة إلى بيوت خطيباتهم محمّلين بالهدايا والذهب وأجمل الحلل والملابس وتسمّى المناسبة بـ”الموسم”.
أجواء دينيّة
أما في المساجد فالأجواء دينية روحانية بحتة، تفوح برائحة البخور الذّي يعم هذه الأماكن وتكثر فيها الأذكار والدروس الدينية المقدمة سيما للأطفال وتتزيّن مآذن الجوامع التي يرتادها المئات يوميّا بالأضواء الملونة.
فرح وابتهاج
يقول الباحث في التراث والعادات والتقاليد فؤاد الزرلي إنّ “ليلة النصف هي فرح وابتهاج ودعوات ومضائف وزيارات وهي كذلك حركية وحيوية غير مسبوقة تشهدها الأسواق والمحلات”.
ويضيف الزرلي في تصريح لبوابة تونس: “يجمع طبق الكسكسي التونسيين ويوحّدهم في هذه الليلة المباركة إذ لا يغيب عن كل سفرة ويفوح من كل بيت”.
ولكسكسي ليلة النّصف مواصفات خاصة -حسب محدّثنا- فكل مستلزماته يجب أن تكون طازجة وجديدة وينبغي أن يتم اقتناؤها في اليوم ذاته من خضر ولحم كما دأبت العائلات التونسية قديما على تحضير عجين الكسكسي في اليوم ذاته وعدم استعمال كسكسي “العولة” المُخزّن في بيوت المؤونة.
ويرى الباحث في التراث أنّ لهذا التقليد ولاعتماد كل ما هو جديد دلالات خاصة لما لهذه الليلة المباركة من وقع على قلوب التونسيين.
وتعوّدت العائلات أيضا على إخراج صدقة في هذه الليلة بالتحديد أو ما يسمى “بعشاء الموتى” من الأطباق نفسها التي تم طهوها بهذه المناسبة، وفي ذلك استحضار للذكريات التي كانت تجمع أفراد العائلة بهم وبأنهم كانوا حاضرين بينهم خلال أشهر رمضان من السنوات الفائتة، وفق محدثنا.
ويضيف الزرلي أنّ للجوامع أيضا طابعا خاصا في هذه الليلة، إذ عادة ما تجد الوقّاد يتجول بين مختلف المساجد لتعطيرها بروائح الند والبخور”.
والوقّاد هو رجل ينتقل بين المحلات والجوامع وسط المدينة العتيقة وفي المناطق المجاورة لها حاملا مبخرة فيرش البخور لتعطيرها مقابل ما تيسّر من المال.
ويتابع الزرلي: تبدأ الحركة التجارية مع بداية النصف الثاني من رمضان وتبدأ معها السهرات والخروج للتبضّع واقتناء مستلزمات العيد من ملابس للأطفال وحلويات”.
ويشدّد الزرلي في معرض حديثه على ضرورة توريث مثل هذه العادات والتقاليد للأطفال والناشئة حتى لا تندثر وحتى تبقى راسخة في الأذهان محفوظة لديهم رغم تغيّر الأزمان ورغم ما يواكبونه من تقدّم تكنولوجي ورقمي متسارع.