تقليد يعود بالمخيال الشعبي إلى سنوات مضت
يسرى ونّاس
“اليوم القرش وغدوة طويان الكرش”.. عبارة طالما ردّدها التونسيون خلال سنوات مضت تشير إلى الليلة الفاصلة بين آخر يوم في شهر شعبان وأول يوم صيام.
“ليلة القرش” هي بمثابة خيط رفيع يفصل الصائمين عن “الضيف” خفيف الظّل (شهر رمضان) الذي ينتظره الكبار والصغار ويُسرّون لقدومه لما يرافقه من فرح وابتهاج يملأ كل البيوت.
وعادة ما كان الأصدقاء وأفراد الأسرة يجتمعون في “ليلة القرش” على مائدة الغداء أو العشاء لتوديع أيام الإفطار واستقبال رمضان الذي تنبعث منه رائحة البركة والخير ووتشتد فيه روابط صلة الرحم وتلتقي فيه الأحبة.
هي تقليد كاد يتلاشى كغيره من العادات الأخرى التي اندثرت وتهاوت بمرور الزمن وتطور نسق الحياة اليومية.
وبقيت هذه العادة مقتصرة على عدد ضئيل من مناطق البلاد خاصة الدّاخلية منها، حتى أن ذكرها بين شباب اليوم قد يثير الغرابة وهو ما يستوجب إحياءها ونفض الغبار عليها حتى تظل راسخة وتخلد ضمن التراث اللامادي.
وهناك من يسميها “العشوة” التي تعدّ فيها أطباق دسمة من أجل توديع شهر شعبان .
ولا تقتصر هذه الليلة على الاستمتاع بما لذ وطاب من مأكولات بل تحمل بين ثناياها طابعا روحيا واجتماعيا سمته توطيد روابط القرابة وتقوية العلاقات الأسرية.
وتتزين مائدة “ليلة القرش” بأشهى الأطباق التونسية “الصّرفة” النابعة من جذور كل منطقة وموروثها الغذائي، فتتربع “العصيدة” في موائد الشمال الغربي محلّاةً بالعسل والسمن، فيما تتلون طاولات سكان العاصمة سابقا بطبق “الرفيسة” المُعدّة بالتمر والسميد و”المدموجة” المرصّعة بالتمر والفواكه الجافة.
وفي ولايات الساحل تعدّ فطائر “الزبيب” أما في الجنوب فهناك من يعدّ الـ”بركوكش” بالخضار.
استعدادات على قدم وساق
وتسبق هذه الليلة الاستعدادات لشهر رمضان الذي يفوح عبقه قبل أيام من كل بيت وزقاق وسوق في تونس.
فتكون التحضيرات على أشدّها إما عبر اقتناء أواني طبخ جديدة أو طلاء جدران المنزل أو “قصدرة” قدور النحاس واقتناء كل مستلزمات المطبخ وإعداد “عولة” (مؤونة) رمضان.
من الذّاكرة الشعبية
ويقول رئيس جمعية “تراثنا” زين العابدين بالحارث إنّ “ليلة القرش ارتبطت بالذّاكرة الشعبية ولعل أهم ما يميّزها التجمّعات العائلة حول مائدة آخر غداء أو عشاء قبل بدء شهر رمضان”.
ويضيف في حديث لبوابة تونس: “تحتفي عائلات بصيام الأطفال لأول مرة في رمضان، فيقع تحفيزهم على الصوم وإبراز فوائده الاجتماعية والأخلاقية والصحية أيضا”.
ويخصّص البعض سهرة مميزة تعدّ من خلالها موائد عشاء أو غداء أو سحور دسمة ومميزة عن بقية أيام السّنة.
واستدرك بالحارث بالقول: “نأسف لتلاشي هذه العادة مع مرور الزمن خاصة في العاصمة ولكن بعض المناطق والولايات الأخرى ظلت مُحافظة على هذا التقليد ومتشبثة به”.
وتابع: “بإمكان عدّة جمعيات ومكونات مجتمع مدني إحياء مثل هذه العادات إذا توفّر الوقت لذلك فعادة ما تكون الأيام التي تسبق رمضان مصحوبة بضغوط كبيرة”.
ويواصل بالحارث حديثه قائلا: “هناك من يطلق عليها تسمية ليلة القضم أو الشعبانية في إشارة إلى الأيام الأخيرة من شعبان وتنسب إليها أيام توديع الأكل واغتنامها لذلك”.
ويعتبر محدّثنا أنّ “التونسي يهوى الاحتفالات واقتناص مثل هذه المناسبات لهذا الغرض ويحتفي بمختلف المواسم كما يستقبل شهر رمضان ببهجة كبيرة فهو شهر يحمل أجواء جميلة ويقطع مع روتين الحياة”.