يسافر الكثير من الأشخاص إلى إيطاليا، وتحديدا العاصمة روما، بهدف زيارة مدرجها الشهير، والذي يُعرف باسم “الكولوسيوم”.
ولكن تفاجأ مدوّن السفر الأمريكي داغ برنارد بوجود معلّم شبيه بشكل كبير في تونس.
أهم الأخبار الآن:
انبهار وفضول
ذاك ما قاله المدوّن الأمريكي في مقابلة مع موقع “سي أن أن” بالعربية، مؤكّدا: “تفاجأت بوجود المدرج الروماني في تونس، وتحديدا بمدينة الجم (شرق تونس)، حيث يمتاز بحالة جيّدة للغاية، على غرار الكولوسيوم بإيطاليا، ويزوره عدد قليل جدا من السيّاح”.
وأضاف: “حين فكّرت في السفر إلى تونس، لم أتوقّع أن أجد فيها ثاني أكبر مدرج في العالم، بعد الذي هو موجود في روما”.
واعترف داغ برنارد بأنّ كلّ ما كان يحمله عن تونس، توّفرها على صحراء ممتدّة، على اعتبار أنّها موجودة في شمال قارة إفريقيا، لكن حين سماعه بالمدرج الروماني أراد زيارته بنفسه، وتصويره من الداخل وعرضه على منصته.
وحول ردة فعل متابعيه على الفيديو، قال: “ردّة فعلهم كان ملؤها الدهشة، من وجود مدرج بهذه العظمة في تونس بالذات”.
ويُضيف: “بشكل عام تفاجأت بتونس والأماكن المميّزة التي تقدمّها إلى السياح، لم أتوقّع ذلك قبل ذهابي إليها.. لديهم الجم وسيدي بوسعيد، وهي مدينة جميلة على الساحل”.
ويسترسل: “لديهم موقع تصوير فيلم “حرب النجوم” في وسط الصحراء، وهو موجود منذ تصوير الفيلم لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي”.
وشدّد: “هناك العديد من المفاجآت في تونس، وكان مدرج الجم أحد أروع جزء من زيارتي بالنسبة إلي”.
ما لا يعرفه داغ برنارد؟
وما لا يعرفه المدوّن الأمريكي داغ برنارد عن الكولوسيوم، أنّ قصر الجم أو مسرح الجم، اسمه الروماني “كُولُوسِّيُومْ تِيسْدْرُوسْ”، وهو مسرح أثري يقع بمدينة الجم في ولاية المهدية (جنوب شرق تونس)، أدرج سنة 1979 على لائحة مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو ليضاف إلى المواقع الأعرق والأجمل في العالم.
يقع تحت حلبته رِوَاقَان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى في الحلبة. ونجد فتحتين من جانبي الحلبة لرفع الوحوش من أُسُود وحيوانات ضارية إلى جانب المصارعين من أسرى الحرب والمتجادلين بعد سجنهم في غُرَف مظلمة تحت الحلبة.
مسرح الجم، مسرح روماني يقع شرق تونس تحوّل من حلبة صراع بين الوحوش الضارية والمعتقلين إلى ركح فني لعروض الموسيقى السيمفونية.
وأقيمت في مسرح الجم، في العهد الروماني، مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين وسباقات العربات، حيث كان الشعب والنبلاء الرومانيون يجلسون لمشاهدة تلك الاستعراضات القاتلة بشغف كبير.
مسرح عالمي
ويعدّ قصر الجم الروماني، ثالث أكبر مسرح في العالم بعد مسرح كولوسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع ومسرح كولوسيوم كابو.
ويقع هذا الموقع في مدينة الجم الساحلية (200 كلم جنوب شرق العاصمة تونس)، وبشهادة العلماء والمؤرّخين يعتبر كوليزي الجم الأكثر جمالا وصيانة وأكبر بناء أثري روماني في إفريقيا.
وتبلغ مساحة القصر ذي الواجهة الرومانية المرتفعة 18056 متر مربع، أما أبعاد الحلبة فتبلغ 65 مترا و39 مترا. وتتّسع مدارجه لقرابة 35 ألف متفرّج.
هذه الهندسة المعمارية التي جمعت بين التيارات الشرقية والغربية، شدّت اهتمام الكتاب والمؤرّخين الغربيين والمشارقة الذين زاروا المسرح في القرون الماضية، كما فتنهم المعلم بتناسق أجزائه ومركّباته وجمال لونه المحاكي للون الذهب فأفاضوا في مدحه وإعلاء شأنه ورأوا فيه أثرا مميّزا لإفريقيا الرومانية.
ويحتوي المسرح الروماني الفريد من نوعه على عدد من القطع الأثرية النادرة في العالم نقل بعضها إلى متحف الجم والبعض إلى متاحف أخرى، فضلا عن نحو 30 موقعا رومانيا تمّ اكتشافها عبر الحفريات، أبرزها منزل إفريقيا المزيّن بقطع نادرة من الفسيفساء التي تصوّر الحياة اليومية لسكان روما وطرق عيشهم.
كما يوجد بالمسرح العديد من الغرف والأقبية، ويُقال إنّ هناك سراديب طويلة تصل القصر بمناطق بعيدة، لكنها لم تكتشف بعد، استعملها السكان أيام الحروب لجوءا إلى قرطاج والبحر.
تاريخ من الصراعات
ترجّح أغلب الروايات أن تشييد القصر أتى بإيعاز من الإمبراطور الروماني غورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على إمبراطور روما في ذلك العصر، وهو من أمر ببناء المسرح سنة 238 ميلاديا، ليكون مسرحا رومانيا عظيما يضاهي في العظمة والمساحة نظيره في عاصمة الإمبراطورية الرومانية، ويتجاوزه جمالا وروعة، وأطلق عليه اسم “كُولُوسِّيُومْ تِيسْدْرُوسْ”.
وأثناء بنائه عالج المصمّمون كل الأخطاء الهندسية التي وقعت خلال بناء المدرج الروماني السابق فيروما، الأمر الذي يفسّر بقاء مسرح الجم في نظر علماء الآثار والتاريخ إبداعا معماريا وفنيا من الطرازالأول، يشهد بالرقي لمدينة تِيسْدْرُوسْ (الجم) الرومانية.
ويعدّ المسرح الذي شكّل على مدى العصور ومنذ بداية العهد الروماني مسرحا لأحداث تاريخية عظيمة، إذ حصلت فيه عديد الوقائع التي شكّلت منعطفات في التاريخ الإنساني.
وإضافة إلى اسم “مسرح الجم” سمّي هذا المسرح الروماني أيضا في بعض الكتابات العربية القديمة باسم “قصر الكاهنة”، ذلك أنّه في أثناء الفتح الإسلامي لإفريقية (تونس) في أوائل القرن الثامن الميلادي، احتمت به الملكة البربرية “ضميا” الملقبة بـ”الكاهنة” مع جيشها لمدة أربع سنوات إثر هزيمتها في المعركة الثانية أمام حسان بن النعمان الغساني وهو الذي طلب الإمداد من عبد العزيز بن مروان إثر هزيمته في المعركة الأولى، لذلك سمي قصر الجم.
ورغم مرور أكثر من 1800 سنة على بنائه، ما زال هذا المسرح الذي يعتبر بمثابة التحفة الرومانية فوق أرض تونس، على صورته الأولى بنسبة كبيرة جدا، لولا بعض الأحداث التي تسبّبت في هدم بعض أجزائه، حين استخدم المدرّج حصنا للاحتماء به.
فعندما ثار السكان على محمد الثاني، باي تونس المرادي آنذاك عام 1695 وتحصنّوا بالمسرح وبعد أن أخمد ثورتهم، أمر الباي بهدم الجانب الغربي للقصر، حتى لا يتحصّن فيه غيرهم مستقبلا.
قطب الموسيقى السيمفونية
كان مسرح الجم حلبة لمصارعة الوحوش ومسرحا داميا تتمزّق فيه أجساد العبيد وأسرى الحرب وكبار المجرمين الذين تجاوزوا القانون، كما كانت جدرانه شاهدا على النبلاء الرومانيين الذين أدمنوا الصّراعات الدامية، وخصّصوا لمشاهدتها أغلب وقتهم.
غير أنّه اليوم أصبح مكانا لالتقاء الفنانين ومسرحا شهيرا لأهم الحفلات الموسيقية في تونس والعالم، إذ تقام فيه سنويّا مهرجانات وحفلات لأهم الفرق العالمية وفرق موسيقى الجاز.
وقد ازدادت شهرته أكثر منذ إنشاء أول مهرجان للموسيقى السيمفونية في ثمانينيات القرن الماضي.
ويعود الفضل في ذلك إلى الرئيس التونسي الأسبق محمد الناصر، وهو أصيل مدينة الجم، عندما قرّر عام 1986 إنشاء أول مهرجان للموسيقى السيمفونية في تونس يقام سنويّا في القصر الكبير الذي استضاف وما يزال عدة أسماء عالمية، على غرار المغنية الأميركية الملقّبة بـ”الديفا” باربرا أندريكس والموسيقي الإيطالي الشهير ريكاردو موتي.
كما استقبل المسرح العديد من الفرق الموسيقية العربية والعالمية على غرار الأوركسترا السيمفونية التونسية، والأوركسترا السيمفونية الوطنية الجزائرية، وأوركسترا روما الفيلهارمونية، وأوركسترا بودابست الغجر السيمفوني وأوركسترا سينفونيكا دي روما.
مهرجان باذخ يجمع بين الذائقة الفنية الرفيعة وأصالة المعمار التليد، فتضاء الشموع في كل صيف في مختلف أروقته مشكّلة لوحة فريدة تجمع بين سحر الأثر التاريخي وإبداع الفن المعاصر، لتعلن انطلاق دورة جديدة من مهرجان الموسيقى السيمفونية بالجم الذي يُشعل هذا الصيف شمعته الـ37.







أضف تعليقا