تونس

لودفوار الكندية: هل تتجه تونس نحو الارتداد إلى الديكتاتورية؟

هل تتجه تونس نحو الارتداد إلى الديكتاتورية؟ سؤال مثّل محور مقاربة الكاتب الصحفي الكندي فرانسوا بروسو في مقال نشره على صفحات موقع “لودفوار” الكيبكية الناطقة بالفرنسية.

 وبين أسطر المقال حلل بروسو المؤشرات التي تثيرها إجراءات الرئيس قيس سعيّد منذ 25 جولية/يوليو الماضي، وسياسته التي قد تصبح “نقطة تحوّل حاسمة بالنسبة إلى التجربة الديمقراطية في البلاد”.

تغيير الدستور

يجسّد قيس سعيّد بسنوات عمره التي تجاوزت الستين، وهيئته الرزينة تمثلا لصورة “الديكتاتور الديماغوجي” بنظر فرانسوا بروسو، حيث تتكامل ملامح وجهه الحزينة والحادة، مع إيقاع صوته الرتيب واستعماله الدائم للعربية الفصحى كأدوات لتسويق أفكاره ومواقفه الشعبية الخطيرة.

ديماغوجية تعكس ملامح مشروع سلطوي بنزعة فردية تدعمه قواعد شعبية مؤيدة، والعمل على استثمار خيبة الأمل والإحباط في أوساط الشارع التونسي من النخب السياسية، وتكرار خطاب مغرق في شعارات الوطنية ومكافحة الفساد والمحاسبة.

تصريحات سعيّد لقناة سكاي نيوز يوم السبت الماضي، أكدت بحسب المقال نزعة الرجل السلطوية، حينما جعل من نفسه متحدثا باسم الأغلبية ورغباتها، مشيرا إلى أن التونسيين “سئموا من الدستور الحالي”، في خطوة تمهّد إلى إجراء تغييرات وتعديلات واسعة عليه تشمل شكل النظام السياسي.

وأضاف الرئيس التونسي: “على الرغم من أنني احترم الدستور إلا أنه من الضروري إجراء تغييرات، ولا بد من التذكير بأن الدساتير ليست نصوصا مقدسة بل هي إرادة الشعب”.

تصريحات سعيّد السبت الماضي، سلّطت اهتمام المراقبين داخل تونس وخارجها، بحسب الكاتب الكندي على نوايا الرئيس وخبير القانون الدستوري، في ظل قلق متزايد من سيره نحو تفكيك الركائز المؤسساتية للبلد الذي فاز بمنصب الرئاسة فيه، بفضل المسار الديمقراطي الذي رسّخته أولى ثورات الربيع العربي في المنطقة.

إجراءات تعسفية

تجربة ديمقراطية عرفت مخاضا عسيرا في الفترة بين 2010 و2014، بعد الانتفاضة الشعبية، وسقوط نظام بن علي، وتنظيم أول انتخابات حرة، وتشكيل المجلس التأسيسي، وصولا إلى منعطف الاغتيالات السياسية، والنقاشات المحتدمة بين الإسلاميين والعلمانيين، والتيارات الحداثية، قبل الوصول إلى توافق تاريخي، في ديسمبر 2013، في شكل دستور شبه علماني.

منذ 25 جويلية/يوليو، وبعد تعليقه عمل المؤسسات الدستورية الأساسية وعلى رأسها البرلمان، تحت ادعاء “الخطر الوشيك على مؤسسات البلاد”، اندفع قيس سعيّد بلا هوادة في سلسلة قرارات متتالية، فأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورفع الحصانة عن النواب، ومنع مسؤولين وشخصيات بارزة من السفر، كما قام بوضع عددا من الشخصيات في الإقامة الجبرية.

وفضلا عن ذلك، فقد تعرض عشرات من أعضاء البرلمان والوزراء والمحامين البارزين ورجال الأعمال إلى ملاحقات قضائية في قضايا تهرب ضريبي وشبهات فساد وتضارب المصالح وحتى التحرش الجنسي.

وفي هذا السياق نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” منذ 25 جويلية/ يوليو، بتعرض ثلاثة نواب للسجن التعسفي، في قضايا تتعلق بحرية التعبير، إلى جانب وضع حوالي 50 شخصية رهن الإقامة الجبرية “بشكل غير قانوني”.

بالرغم من كل هذه الإجراءات القمعية التي تنتهك بشكل واضح القانون وبعض البنود الدستورية، يتوقف الكاتب فرانسوا بروسو عند معطى هام يتعلق بنسب التأييد المرتفعة التي يحظى بها سعيّد في أوساط الشباب، التي تمثل إحدى الأدوات التي يعتمد عليها لإضفاء شرعية شعبية على سياسته.

أصبح سعيّد “بطلا غير متوقع” على حد تعبير المقال، بعد إعلانه الإجراءات الاستثنائية منتصف الصيف المنقضي، حيث ارتفعت نسبة تأييده إلى حوالي 80٪ بين أوساط الشباب حسب استطلاعات الرأي.

وفي استعارة واضحة لمصطلح “عملية الأيادي النظيفة” أو “ماني بوليتي” التي أطلقها القضاة الايطاليون مطلع التسعينات لدحر الفساد داخل الطبقة السياسية، تحوّل سعيّد في نظر الداعمين له وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلى بطل عملية تنظيف كبرى للوبيات السياسية والاقتصاد والفساد المتنفذين في تونس، على الرغم من أن إجراءات سعيّد في هذا السياق تبدو مختلفة تماما عن التحقيق القضائي الذي هزّ إيطاليا سنة 1992

إخفاقات المسار الديمقراطي

نجاح الرئيس التونسي في الفوز بشعبية هائلة بين الشباب يرجع بحسب بروسو إلى حالة الإحباط والنقمة تجاه الطبقة السياسية، التي لم تكن قادرة على تقديم حلول لمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية، سوى القمع البوليسي عندما نزلوا إلى الشوارع.

 فبعد عشر سنوات، يشعر التونسيون بخيبة أمل إزاء اخفاقات المسار الديمقراطي خاصة على المستوى الاقتصادي، مع استمرار تدهور أوضاعهم المادية، وانهيار قدرتهم ونسب التضخم المتسارع، ومعدلات البطالة التي تتراوح بين 18٪ و40٪ بين الشباب.

ويلفت الكاتب الكندي إلى التناقض الصادم بين التجربة الديمقراطية في تونس على الورق، التي أشاد بها العالم لا سيما بعد حصول 3 منظمات وطنية تونسية على جائزة نوبل 2015، وبين الوضع الواقعي الذي يغلب عليه اقتصاد شبه متأزم، وسياحة منهارة، وغياب الاستثمارات الأجنبية وتفاقم الاحتقان الشعبي.

معطيات فاقم من حدتها عجز الديمقراطية التمثيلية نتيجة الأزمات المتتالية في السنوات الأخيرة، وتحوّل البرلمان إلى ما يشبه “سيركا سياسيا”.

تفسر هذه العوامل حذر الطبقة السياسية في انتقاداتها لسياسة سعيّد انطلاقا من إدراكها لفقدانها مصداقيتها، في نظر أغلبية كبيرة من الناخبين والشارع.

يخلص فرانسوا بروسو إلى أن المشهد في تونس قد يمثل بداية الانجراف الاستبدادي، تحت قيادة رئيس “مذعور” من عجز المؤسسات، وفساد عالم السياسة وعالم الأعمال، الأمر الذي سينتهي به رغما عن أنفه بولادة ديكتاتورية تختزل قيس سعيّد بكونه “الجواب الوحيد الممكن”.