لماذا اختفى أنصار قيس سعيد من الشوارع؟

منذ 25 جويلية/يوليو الماضي تحوّل أنصار ومؤيدو قيس سعيّد إلى “ظاهرة افتراضية”، يكاد ينحصر نشاطهم في منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك، دون حضور ميداني ملموس أو ثقل شعبي وازن، بما في ذلك بعض المبادرات الحزبية التي أعلنت عن وجودها ومشروعها القائم على دعم رئيس الجمهورية، التي فشلت في تحقيق عمق جماهيري يمكّنها من تعبئة قواعدها في الشارع.
ففي مقابل احتشاد جمهور التيارات والأحزاب والقوى الوطنية المعارضة لقرارات سعيّد بتعليق الدستور خلال الوقفات الاحتجاجية التي تداعت إليها، اكتفى أنصار الرئيس بحضور محتشم لم يتجاوز بضعة عشرات يوم السبت 25 سبتمبر/أيلول، ما يكشف بوضوح عجزهم عن التنظيم وعدم القدرة على تركيز قاعدة شعبية واسعة على أساس أيديولوجي وفكري.
ووسط مشهد آلاف المتظاهرين الذين ملأوا شارع الحبيب بورقيبة أمس الأحد 26 سبتمبر / أيلول، رغم التضييقات والحواجز الأمنية التي وُضعت أمام مداخل العاصمة لمنع المواطنين من داخل البلاد من الالتحاق بالمظاهرات في شارع بورقيبة، تساءلت وسائل الإعلام “أين اختفى أنصار الرئيس؟”.


قاعدة مصطنعة
يفكك الباحث والأكاديمي سامي براهم في حديث لبوابة تونس ظاهرة أنصار رئيس الجمهورية انطلاقا مما يطلق عليه: “حراك 25 جولية/يوليو”، الذي شهد خروج أعداد من الجماهير إلى الشارع ضد منظومة الحكم والمطالبة بإسقاطها، مشيرا إلى أن جزءا هاما من هذا الحراك “مصطنع”، ولا يعبّر عن فئات اجتماعية واضحة أو تيارات ثقافية وسياسية.

وأوضح الأستاذ براهم أن بناء هذه القاعدة المصطنعة اعتمدت على توظيف حالة الاحتقان والغضب العام بشكل افتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكنت لاحقا من التحول والخروج إلى الشارع قبل أن تتلاشى تدريجيا.
ويوازن سامي براهم بين هذه القاعدة المصطنعة من أنصار قيس سعيّد وبين قوى المعارضة بالقول: “حراك التيارات المعارضة لانقلاب قيس سعيّد على الدستور، يضم فئات واضحة من جمعيات ومنظمات وأحزاب ونخب، تستند إلى تقاليد عميقة في تعبئة الشارع والتنظيم، وبالتالي فالموازنة غير جائزة بينهما”.
“لا أتصور أن 25 جويلية يمكن أن يعاد بتفاصيله وحجم الجماهير في الشارع إلا في حالة تورط الدولة في التعبئة، من خلال توظيف المؤسسات في الإدارة والأمن وشركات النقل وغيرها، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بضوء أخضر من قصر قرطاج والديوان الرئاسي، الذي قد يحاول استخدام موارد الدولة لتعبئة الناس للرد على احتشاد المعارضة »، يقول محدثنا.
وأكد الأكاديمي التونسي عدم قدرة تنسيقيات قيس سعيّد أو أنصاره على التنظيم في الشارع دون تدخل مباشر من الدولة، مقارنة بتحركات المعارضة من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تستند إلى رصيد طويل من التجربة والخبرة.


تركيبة غير متجانسة
وعن تقييمه لدور بعض المشاريع الناشئة التي تدور في فلك قيس سعيّد مثل حزب “الشعب يريد” و”حراك 25 جويلية”، وغيرها من التنسيقيات وعدم نجاحها في استقطاب قاعدة جماهرية أو رصيد شعبي، لفت سامي براهم إلى وجود أطرف سياسية وحزبية متعددة، ومختلفة فيما بينها تنسب نفسها إلى الرئيس دون أن يعترف بها، مضيفا: “نجد اليوم حول سعيّد مجموعات متناقضة من حيث المرجعية من اليساريين وحزب التحرير وغيرهم، فكيف يمكن لهذه التركيبة غير المتجانسة أن تشكل إطارا شعبيا منسجما مساندا للرئيس؟”، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى إضعاف الحزام المساند لقيس سعيّد، حسب قوله.

ظاهرة افتراضية
من جانبه يرى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة بلقاسم حسن في حديثه عن الوزن الجماهيري الحقيقي لأنصار قيس سعيد، أن هذه “الظاهرة” تستند في حقيقة الأمر إلى فئة من المساندين “ظاهريا” للرئيس، لكونه أداة تحقق لهم أهدافهم السياسية.
وبيّن حسن أن هذه الفئة تضم بشكل رئيسي بعض الأحزاب على غرار حركة الشعب والتيار الشعبي وغيرهما، ممن يريدون استغلال سعيّد لتحقيق مآربهم التي عجزوا عن تحقيقها ديمقراطيا، سواء عبر صناديق الانتخاب أو من خلال التحالفات داخل البرلمان، مضيفا: أن “قواعد هذه الأحزاب لا تخرج إلا للتأجيج وإظهار أن الرئيس مدعوم بطيف واسع من المناصرين وهو ما يخالف الواقع”.
صفحات فيسبوك “المأجورة والمدعومة” والمدارة من الخارج، تشكل بدورها بحسب محدثنا أحد الأساليب المستخدمة لخلق “ظاهرة أنصار رئيس الجمهورية”، وتضخيمها افتراضيا، التي تنشط بشكل أساسي على مهاجمة الآراء المخالفة وإعطاء الانطباع بوجود حالة إجماع بين التونسيين حول سعيد.
ويفسر نائب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة فشل أنصار الرئيس في التنظيم أو اكتساب ثقل ميداني، بالخلط الماثل في أذهان بعض المتابعين بين الكتلة الانتخابية التي صوتت لسعيّد في الدور الثاني وانتمائها السياسي، باعتبار أن أغلب من صوّت لقيس سعيّد كانوا من قواعد حركة النهضة، ومن المنتمين إلى أحزاب وتيارات أخرى، ما يجعل من تصوير هذه الكتلة بمثابة “شعب مواطني قيس سعيّد”، على غرار الدعوة التي أطلقها الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي في انتخابات 2014 مغالطة سياسية.
كما أن عدم اهتمام سعيّد بتأسيس حزب يعمل على استقطاب وهيكلة داعميه يعدّ من العوامل التي تفسّر غياب قاعدة شعبية حوله، بحسب محدثنا، فضلا عن إخفاق ما يعرف بالتنسيقيات في تحقيق الغاية نفسها، بسبب عدم تجانس سياساتها وتشتت قياداتها، إلى جانب نزعتهم المفرطة للنشاط الافتراضي، ما يفقدهم أي تمثل واقعي.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *