سياسة عرب

للمرة الأولى ..صاحب الصورة الأشهر بمعتقل أبوغريب يتحدث

لعلها المرة الأولى، التي يتحدث فيها صاحب الصورة الأشهر التي خرجت من بين أقبية التعذيب بمعتقل سجن أبوغريب الأمريكي بالعراق.
علي القيسي المعتقل العراقي السابق، ظل لسنواتٍ مجهول الهوية برغم صورته التي تناقلها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، عند الكشف عن حقيقة الممارسات التي كانت ترتكب داخل السجن، ليضحي بمثابة أيقونةٍ قاتمةٍ تختزل فظائع وجرائم الاحتلال الأمريكي للعراق، تحت غطاء نشر الحرية والديمقراطية المزعومة.

معتقلو 25 جويلية

70 يومًا من الجحيم
بعد أكثر من 15 سنةً من تجربة الاعتقال والتعذيب، خرج القيسي ليكشف عن هويته، ويحكي فصولاً من أهوال التعذيب والمعاملة غير الإنسانية التي عايشها طوال أكثر من سبعين يومًا من الاعتقال داخل أبوغريب، ضمن سلسة مقالات “الحكاء” على موقع الجزيرة نت.
خلفت أثار السجن والتعذيب بالكهرباء والضرب المبرح ندوبًا عميقةً في نفسية القيسي، وأثارًا جسيمةً على وضعه الصحي، إذ خضع لست عملياتٍ على يده اليسرى، إلى جانب كسرٍ على مستوى الترقوة، وإصابةٍ حادةٍ بالركبة جعلته عاجزًا عن السير دون استعمال العكاز، وأقعدته عن العمل في سنٍ مبكرٍ.
ويشير القيسي إلى أنه وعلى الرغم من “مرور 15 عامًا على هذا الحدث الجلل، ما زلت لا أطيق النوم في الأماكن المغلقة أو المظلمة، وتطاردني الذكريات والآلام”.
بدأت مأساة القيسي بعد أشهرٍ من غزو العراق، وبدأت عندها تتكشف للعالم الأكاذيب التي سوقتها واشنطن عن أسلحة الدمار الشامل، والتهديد الذي يمثله النظام العراقي السابق على استقرار الشرق الأوسط والمنطقة.
إثر سقوط بغداد، بدأ فصل جديد من المقاومة الوطنية بأشكالٍ متنوعةٍ عسكريةٍ ومدنيةٍ، أقضت مضجع الاحتلال حتى أضحى همه الأساسي اصطياد الرؤوس المدبرة للمقاومة وعناصرها.
كان القيسي قبل اعتقاله قد عمل على التواصل مع وسائل الإعلام العربية والدولية، وفضح ممارسات الاحتلال الأمريكي، لتبدأ عملية تعقبه إلى حين القبض عليه في أكتوبر 2003، ولتبدأ معها فصول من الجحيم طوال ما يزيد عن 70 يومًا.
حولت واشنطن السجن المكون من 4 طوابق و100 زنزانةٍ إلى مركز استخباراتي ومعتقلٍ عسكريٍ لعناصر المقاومة العراقية واستجوابهم، وقامت بتوظيف مئاتٍ من المرتزقة وعناصر الشركات الأمنية، وعملاء المخابرات المتقاعدين والمطرودين.
استخدم عناصر الجيش الأمريكي والمحققون كل أشكال التعذيب الوحشي، وكل أساليب الضرب المبرح وسوء المعاملة في سبيل السيطرة على المعتقلين، وإذلالهم وكسر إرادتهم النفسية والمعنوية.
فصول القسوة الوحشية تبدأ بحفلة الاستقبال التي قضاها القيسي عاريًا ومقيدًا بباب الزنزانة طوال 5 أيامٍ، تناوب خلالها الحراس على ضربه وتعنيفه وتشغيل موسيقى صاخبةٍ لوقت طويل.
يتحول الصعق بالكهرباء إلى خبز يومي، تيار كهربائي مباشر من إمدادات الغرفة يصعق المعتقل “فتتخلل جسمي كله، وأشعر أن عيني ستقلع من رأسي ويتطاير منها الشرر”، بحسب تعبير القيسي.
وصلات التعذيب الممنهج لا تتوقف على مدار اليوم، من الحرمان من النوم والغذاء، مرورًا بالإغراق في الماء والإعدام الوهمي، وصولاً إلى استهداف المناطق الحساسة بالضرب والصعق، وحشر المعتقلين في صناديق حديدية ضيقة والتبول عليهم، وغيرها من الممارسات البشعة.
“يتساوى المعتقلون في أبوغريب في التعذيب والأذى، لكن السجان والمحقق يستهدف هؤلاء الذين يبدون نزعة إلى المقاومة وعدم الإدلاء بأي معلومات، و”يكرهونهم أكثر عندما يدركون أنهم قاوموهم كمحتلين لبلادهم”.
غادر القيسي المعتقل بعد تدخل الصليب الأحمر للإفراج على المعتقلين، وأسس جمعيةً لضحايا السجون مكنته من التواصل مع مئات الحالات من ضحايا التعذيب في الأقطار العربية، لتكشف أن التعذيب لم يكن حكرًا على المحتل، بقدر ما هو ثقافة وممارسة تكرس قمع الأنظمة الحاكمة، والتي تتحول إلى أداة لتفريخ التطرف والإرهاب، ذلك “أن العنف والتطرف يخرج من زنازين التعذيب والإذلال والإهانة، التي يتعرض لها الإنسان بالسجون”.