اتصالات وضغوط الساعات الأخيرة تبشّر بآمال كبيرة لخروج “الدخان الأبيض” من قبة البرلمان اللبناني
ساعات قليلة تفصل لبنان عن الجلسة البرلمانية، المقرّرة الخميس، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط مؤشرات على ارتفاع حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون، للفوز بالمنصب.
ويعزّز ذلك الآمال بخروج “الدخان الأبيض” من قبة البرلمان في جلسة الغد، ما لم تطرأ مفاجآت سياسية في اللحظات الأخيرة.
وإلى جانب عون، هناك أسماء أخرى مطروحة للمنصب، لكن حظوظها تبدو محدودة، وفق مراقبين.
وأعلن رئيس “تيار المردة” في لبنان سليمان فرنجيه، اليوم الأربعاء، سحب ترشّحه لانتخابات الرئاسة، ودعم ترشيح قائد الجيش جوزيف عون للمنصب.
وتُعزّز هذه الخطوة فرص قائد الجيش للفوز بالمنصب خلال جلسة يعقدها البرلمان صباح الخميس لانتخاب رئيس جديد، والتي يأمل كثيرون أن تضع حدّا لأزمة الشغور الرئاسي المستمرة منذ أكثر من عامين.
مواقف الكتل النيابية
ورغم أنّ معظم الكتل النيابية الكبرى لم تعلن موقفها النهائي أو مرشّحها بعد، فإنّ بعض الكتل المستقلة والأحزاب بدأت في حسم خياراتها.
حيث دعم ترشّح عون للمنصب كل من “الحزب التقدّمي الاشتراكي” بزعامة وليد جنبلاط، والذي يمتلك 8 نواب من إجمالي 128، وكتلة “الاعتدال الوطني” (6 نواب مستقلين) وكتلة “التوافق الوطني” (5 نواب مستقلين).
فيما نقلت وكالة الأناضول، عن مصدر مقرّب من حزب “القوات اللبنانية” أنّ الكتلة النيابية للحزب المعروفة باسم “الجمهورية القوية” (19 نائبا)، ستجتمع مساء الأربعاء، للإعلان رسميا عن دعمها ترشيح قائد الجيش للمنصب.
ويعني هذا تراجع رئيس الحزب سمير جعجع، عن الترشّح للمنصب لصالح التوافق الوطني، وفق المصدر ذاته.
ومن ضمن الكتل النيابية البارزة التي لم تُعلن عن موقفها بعد كتلة “الوفاء للمقاومة” التابعة لـ”حزب الله” (15 نائبا)، وكتلة “التنمية والتحرير” التابعة لـ”حركة أمل” (15 نائبا) حليفة “حزب الله”.
وفي هذا الصدد، قال النائب أيوب حميد، عن كتلة “التنمية والتحرير” للإعلام في تصريحات صحفية، الأربعاء، إنّ الكتلة لم تتّخذ موقفا نهائيا بعد، لكنه أكّد أنّ كتلته تفضّل التوافق، وأنها ستتخذ موقفا موحّدا مع “حزب الله”.
في المقابل، يبقى “التيار الوطني الحر” بزعامة جبران باسيل، في موقف معارض لترشيح عون للرئاسة، حيث أكّدت كتلته البرلمانية المعروفة باسم “لبنان القوي” (13 نائبا) رفضها القاطع لدعم قائد الجيش للمنصب.
ورغم معارضة كتلة باسيل لعون إلّا أنّ حظوظ الأخير تبدو قوية رقميا إذ يكفيه الحصول على دعم “حزب الله” وحليفته “حركة آمل” للحصول على 68 صوتا تؤهله للفوز ولكن ليس من جولة التصويت الأولى.
فالنصاب القانوني المطلوب في جلسة انتخاب رئيس البلاد هو ثلثا عدد أعضاء مجلس النواب في دورة التصويت الأولى (86 نائبا) وهو الرقم نفسه المطلوب للفوز من دورة التصويت الأولى، فيما يُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في دورات التصويت التالية (65 نائبا).
وحسب وكالة الأناضول، يدعم موقف عون القبول الدولي الواسع، وخاصة من كل من فرنسا والولايات المتحدة والسعودية.
ولهذا الغرض، يوجد في بيروت حاليا كل من الموفد السعودي إلى لبنان يزيد بن فرحان، والموفد الفرنسي جان إيف لودريان، والمبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين.
اتصالات الساعات الأخيرة
وفي هذا السياق، قال المحلّل السياسي والكاتب الصحفي اللبناني آلان سركيس، لوكالة الأناضول، إنّ “الساعات الأخيرة شهدت اتصالات داخلية وخارجية، عربية ودولية، أفضت إلى طرح قائد الجيش جوزيف عون، مرشحا توافقيا”.
وأضاف سركيس: “المعارضة والكتل الوسطية التي كانت تدعم ترشيح عون مستمرة في هذا الخيار. ومبدئيّا، فإنّ الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) لا يبدو معترضا على قائد الجيش، ومن المتوقع أن يمضيا قدما في انتخابه”.
وأوضح أنّ “ضغطا سعوديا كبيرا تزامن مع زيارة الموفد الفرنسي إلى لبنان ما أدى إلى تكثيف الضغوط العربية والدولية، وإظهار توافق على أنّ جلسة الخميس يجب أن تسفر عن انتخاب رئيس”.
وأشار سركيس إلى أنّ “الرئيس المقبل سيكون أمامه خطة عمل تبدأ بتطبيق اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار، بالإضافة إلى تنفيذ القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701”.
وتابع: “جلسة الخميس، أصبحت موجهة نحو ترشيح عون، في ظل توافق واسع النطاق. وفي حال تبنّى الثنائي الشيعي ترشيحه، فإنّ الأمور ستتجه نحو خواتيم إيجابية”.
إشكالية دستورية
ورغم ارتفاع حظوظ فوز عون بمنصب الرئاسة، يدور جدل سياسي حول دستورية ترشّح الرجل للمنصب أصلا، وما إذا كانت الخطوة تتطلّب تعديلا دستوريا.
إذ تنص المادة 49 من الدستور، على أنه “لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام لرئاسة الجمهورية، إلا بعد استقالتهم وانقضاء سنتين على تاريخ قبولها”.
مع ذلك، اعتبر عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية بستراسبورغ، الأكاديمي اللبناني بول مرقص، أنّ انتخاب عون لا يحتاج إلى تعديل دستوري.
وأوضح مرقص أنّ “انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، سيكون دستوريا بناءً على نظرية تفيد عدم ضرورة تعديل الدستور، نظرا إلى أنّ فترة الشغور الرئاسي طالت لأكثر من سنتين”.
وأضاف: “بالتالي، لا موجب بعد الآن لتعديل المادة 49 من الدستور لتمكين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها، ومنهم قائد الجيش، من الاستقالة، بسبب سقوط المهلة بالدرجة الأولى”.
وتابع: “السبب الثاني الذي يسند هذه النظرية هو أنّ قائد الجيش يُفترض أن يحصل على أكثرية موصوفة، تتجاوز النصاب اللازم لتعديل الدستور وفقا للمادة 76 منه، ما يجعل تعديل الدستور غير ضروري لانتخابه رئيسا”.
وأشار مرقص إلى واقعة انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، في 2008، والذي كان أيضا قائدا للجيش آنذاك، حيث لم يُجر تعديل دستوري حينها، بل اعتُبر أنّ الأكثرية الموصوفة التي نالها سليمان تضمّنت ضمنيا تعديلا للدستور، رغم أنّ الأصول تقتضي اتباع إجراءات وشكليات محدّدة لإجراء أيّ تعديل.
واعتبر مرقص أنّ الشغور الطويل في موقع الرئاسة، بالإضافة إلى كون الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، يجعل من التعديل الدستوري أمرا متعذّرا وغير مناسب في الظرف الراهن.
وفي ظل المؤشرات الداخلية والخارجية التي تعزّز حظوظ عون للفوز بالمنصب، أعرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في تصريح الأربعاء، عن تفاؤله بإمكانية انتخاب رئيس جديد خلال جلسة الخميس.
وجرّاء خلافات بين القوى السياسية، يعيش لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر 2022.
وحسب العرف السياسي السائد في البلاد، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا من الطائفة المارونية، بينما يعود منصب رئيس الحكومة للطائفة السنيّة، ورئيس مجلس النواب للطائفة الشيعية.
وتستمر ولاية رئيس الجمهورية 6 أعوام، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 أعوام.
ويُعتبر رئيس الجمهورية رمز وحدة الوطن وحامي الدستور، وله دور في توقيع القوانين وتعيين رئيس الوزراء بالتشاور مع مجلس النواب.