بطونهم خاوية وأفواهمم عطشى، ينامون على أصوات القذائف ويرعبهم قصف الطيران الهمجي، حياتهم ليست كغيرهم من سائر أطفال العالم، إذ يتفنّن المحتل في تجويعهم وتعريضهم لأمراض وأوبئة كادت تُمحّى من ذاكرة العالم، هكذا هي المعاناة اليومية لأطفال غزة جراء العدوان الذي يشنّه كيان المحتل بلا شفقة ورحمة منذ ما يزيد عن العام.
ووسط صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر لا يجد هؤلاء ما يسدّون به رمقهم أو يروون بها عطشهم.
وتزامنا مع حرب الإبادة التي تسلّطها قوات المحتل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فهي تشنّ حربا أخرى على المتساكنين عرب التضييق على الإمدادات والمساعدات العربية والدولية، مهدّدة بذلك بمزيد من الموت والمجاعة خاصة في صفوف الأطفال.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف إنّ “أطفال غزة عانوْا من فظائع لا يمكن تصورها وهم يستحقون وقفا فوريا لإطلاق النار وفرصة لمستقبل يعمّه السلام”.
وتشير المنظمة الأممية إلى أنّ “أكثر من 600 ألف طفل محاصرون في رفح وحدها، وليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه بعد أن دُمّرت منازلهم وتشتّتت أسرهم”.
وقد نزح العديد من الأطفال عدة مرات، وفقدوا منازلهم وأولياء أمورهم وأحبائهم، وهم بحاجة إلى الحماية، والغذاء وغير ذلك من الخدمات بما في ذلك المرافق الطبية والمأوى.
سوء التغذية “أخطر” مما يظن الجميع
ويعاني آلاف الأطفال في غزة من خطر سوء التغذية الحادّ، حيث كشفت بيانات الأمم المتحدة عن إصابة حوالي 15 ألف طفل بسوء التغذية، منهم 3.288 طفلا مصابا بسوء التغذية الحادّ الوخيم، وذلك بعد فحص نحو 240 ألف طفل في القطاع منذ بداية 2024.
وحسب ما جاء في موقع الأمم المتحدة فإنّ أمهات أطفال في غزة تروين قصصا مؤلمة عن أطفالهن الذين يعانون في ظل عدم القدرة على الحصول على الغذاء المناسب، إذ تحدّثن عن ولادة أطفال بأجساد ضعيفة جدّا وأنهن غير قادرات على الحصول على الغذاء الكافي لإرضاع أولادهن، “فالفاكهة والخضرورات وحتى اللحم غير متوفر فليس أمامهن سوى المعلّبات.. إن توفّرت”.
ولا تخفي الأمهات خوفهن على فلذات أكبادهن من سوء الحالة الصحية التي تدهروت يوما بعد آخر والظروف القاسية التي يعيشونها تحت وقع الرصاص.
ووفق الطبيب شريف مطر -وهو أخصائي في طب الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى، فإنّ مشكلة سوء التغذية في قطاع غزة “أخطر وأعقد مما يظن الجميع”.
وفي تصريحه “للجزيرة نت” يرى مطر أنّ “الإشكال لا يكمن فيما إذا أكل الولد أو شبع وإنما في ماذا أكل؟ ولفت إلى أنّ “هناك طعاما واحدا متوفرا للأطفال يتمثل في الخبز، وبالتالي فإنه لا يوجد أكل سليم، ولا متنوع، فالجسم يحتاج إلى طعام متكامل يحتوي على المعادن والبروتينات والفيتامينات، وهذا غير متوفر منذ بداية الحرب”.
كما لفت الدكتور شريف مطر إلى أنّ سوء التغذية يزيد من الأمراض التي يعاني منها الأطفال بسبب انهيار جهاز المناعة، وهو ما يزيد من حاجتهم إلى تناول مضادات حيوية قوية، لعلاج أمراض بسيطة.
ولفت الطبيب مطر إلى أنّ انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة يزيد من مخاطر وفاة الأطفال المصابين بسوء التغذية. واستشهَد بالأوضاع في قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى، حيث يقول إنّ سعته الاستيعابية في الأصل لا تزيد عن 20 إلى 30 سريرا.
وفي تقارير لها أكّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنّ “الأطفال في غزة يموتون بسبب مضاعفات مرتبطة بالتجويع منذ أن بدأ الاحتلال باستخدام التجويع سلاح حرب، وهي جريمة حرب”.
وشدّدت المنظمة على “ضرورة فرض الحكومات المعنية عقوباتٍ موجَّهة وتعليق نقل الأسلحة للضغط على حكومة الكيان المحتل لضمان حصول سكان غزة على المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية”.
تدمير مصادر المياه وتفاقم الأوبئة
ولم يفوّت الكيان المحتل فرصة لجعل أطفال غزة يعانون من ويلات الحرب التي دمّرت حياتهم كتدمير الاحتلال لأكثر من 40 بئرا وخزانات للمياه وأكثر من 42 ألف متر طولي من شبكات المياه بأقطار مختلفة بالإضافة إلى تدمير وتضرّر لمحطة التحلية شمال المدينة.
وحسب اليونيسيف، “فقد انخفضت القدرة في القطاع على تحلية مياه الشرب إلى جزء صغير فقط من المعتاد بسبب تضرّر أو تدمير العديد من مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ما أفقد الناس إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والوصول إلى الحمامات، وأصبح الأطفال المهجّرون وأسرهم يعجزون عن الحفاظ على مستويات النظافة الصحية اللازمة للوقاية من الأمراض وهو أهم أسباب وفاة الأطفال الصغار في حالات الطوارئ”.
ومع انهيار خدمات الصرف الصحي ومعالجة مياه الصرف الصحي، أصبح أطفال غزة مهدّدين بمرض شلل الأطفال الذّي ظل القطاع خاليا منه من ربع قرن.
ويشكّل ظهور هذا الوباء الخطر مرة أخرى تهديدا آخر للأطفال في قطاع غزة ما دفع المنظمات الأممية بالإسراع إلى تطعيم ما لا يقلّ عن 640 ألف طفل فلسطيني في غزّة على جولتين، إلّا أنّ آلة الحرب استهدفت الأطفال ومراكز التطعيم باللقاحات مخترقة بذلك كل المواثيق الدولية.
رقم قياسي للأطفال “الشهداء”
وفي تصريحات سابقة قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، إنّ “عدد الأطفال الذين استشهدوا جراء الحرب المستمرة على قطاع غزة فاق عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال 4 سنوات في جميع النزاعات حول العالم”.
ووصف لازاريني ما يحصل بـ”الحرب على الأطفال”، مشيرا إلى أنّ أرقام الأمم المتحدة تظهر أنّ 12 ألفا و193 طفلا قُتلوا في نزاعات حول العالم بين عامي 2019 و2022، فيما تجاوز عدد الشهداء من الأطفال في غزة 17ألفا.