ليس شرطا أن تكون يهوديا أو إسرائيليا حتى تكون صهيونيّا تنطبق عليك صفاتها. فالصهيونية عقيدة وفكر مترسّخ ومتجذّر ينتقل من جيل إلى جيل، ومن شخص إلى آخر، بغض النظر عن الجنسية واللون والدين.
لذلك ليس تجنّيا أن نطلق على بعض من العرب من أدباء وروائيين وإعلاميين وباحثين ومشايخ ومشاهير المتصهينين العرب، فمن هؤلاء من أصبحوا أكثر صهيونية من بعض الإسرائيليين.
المتصهينون العرب
ولم تكن ظاهرة المتصهينين العرب أمرا طارئا، ولن تكون كذلك، فهي تشكّل تيارا واضحا يكبر ويترعرع ويزداد قوةً وحضورا وتأثيرا، له أجندته المحدّدة والمدعومة داخليا وخارجيا، وخصوصا من تيار الشعوبية الجديدة، والذي نشأ من خلال تحالف الشعوبية القديمة مع نخب شعوبية شرقية تتلمذت في مدارس الاستشراق، وأعجبت بأطروحاتها العصرية المستجلبة، فحمل على عاتقه، بالتواطؤ مع بعض الأنظمة العربية المطبّعة، بثّ الشكوك والشبهات وتبرير الخيانة.
فتعاظم دوره بشكل واضح، وخصوصا بعد عملية طوفان الأقصى، فصرّحوا وباحوا وأفتوا وأعلنوا وقوفهم إلى جانب إسرائيل ضد “حماس” وضد حركات الإسلام السياسي، وإلى كل ما يمتّ إلى الإسلام والعروبة بصلة.
من بين أبرز وجوه هذا التيّار البحريني السعودي المتصهين لؤي الشريف الذي يقدّم نفسه على أنه داعية سلام ويشعل الشموع في معابد يهودية، ويظهر بشكل متكرّر على التلفزات الإسرائيليّة، ويهاجم الإسلام والمقاومة الفلسطينية، ويظهر صديقا للشعوب بينما يخدم أجندة الاحتلال.
ولم يكن الظهور المتكرّر لهذا “الناشط” على شاشات الفضائيات الإسرائيلية وتحدّثه باللغة العبرية التي يجيدها، حدثا اعتباطيا، بل هو جزء من محاولات الاحتلال لصناعة رأي عام في الخليج مؤيّد له، بعيدا عن قنوات التواصل الرسمية التي فقدت كثيرا من شعبيتها بين شعوب المنطقة.
وبدأ الشريف، وهو سعودي من أصول مصرية حصل على الجنسية البحرينية لاحقا، عمله معلّما للغات الأجنبية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا عبر “يوتيوب”، ثم انتقل إلى تعليم اللغة السريانية، قبل أن يصبح التحدث باللغة العبرية واجهته للتواصل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية والترويج لفكرة وجود إسرائيل “جارا” مسالما للعالم العربي و”الحق التاريخي للإسرائيليين في أرض فلسطين”.
ويملك الشريف علاقات متميّزة مع المؤسسات الإماراتية الرسمية، إذ استعانت به أكثر من مرة واجهةً إعلانية للمؤسسات الثقافية الإماراتية، كما أنه يقيم في السعودية أيضا.
الوجه الحقيقي
المتصهين يدعى لؤي أحمد أمين الجعفري الشريف، من السعودية وأصوله مصرية، وُلد عام 1982 (42 عاما). انتقل إلى الولايات المتحدة وحصل على شهادة في البرمجة من جامعة بنسلفينيا.
وهو كاتب ومقدّم برنامج “فلمها”، ويتقن 4 لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، والعبرية.
في ديسمبر 2011، أنشأ قناة يوتيوب ليتعلّم ويترجم عبر الأفلام الأمريكية من شركات مثل “شت فلكس”، كما فعل على صفحته بفيسبوك.
في 2015، درس النقوش القديمة وقدّم برنامج “لفة المملكة” على MBC في 2017. ثم أقام في فرنسا مع عائلة يهودية علّمته العبرية.
بدأت خطوات التطبيع من خلال منصة لؤي الشريف التعليمية من البحرين التي بدأها بتعليم العبرية، ثم تحوّلت إلى ترويج الثقافات الغربية.
في 2018، أعلن خطبته من أمريكية غير مسلمة، وقال: “استخرت الله فكان الأمر ميسّرا”، ثم صرّح بعدم ظهوره مع أيّ إسرائيلي إلّا بعد السلام.
تقول الناشطة السعودية المقيمة في لندن أميرة الشريف والتي تنشط في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، في تغريدة على منصّة “إكس” سردت من خلالها قصّة لؤي: “عزيزي القارئ، كما قلت مرارا، إذا أردت معرفة الوجه الحقيقي للصهاينة العرب، ابحث عن “سابير ليفي”. وهي مسؤولة عن جميع الحسابات الإسرائيلية الناطقة بالعربية على السوشيال ميديا وتضخّم الحسابات الصهيونية. وهي صديقته منذ سنوات”.
وعبّرت سابير ليفي عن سعادتها بلؤي الشريف، حيث نشرت له فيديو يتحدّث بالعبرية مع التلفزيون الإسرائيلي من المنامة، معبّرا عن حبه للغة العبرية.
وتضيف: “ببحث بسيط في حسابات (إسرائيل بالعربية) باسم لؤي، تجد فيديوهات للترويج له”.
كذلك، تجده يترجم ويقرأ النشيد الوطني الصهيوني بفخر، وبطريقة تتفوق على أيّ صهيوني يهودي. كان ذلك في لقائه مع حسن كعبية، المتحدث باسم الخارجية الصهيونية. اللافت أنّ سابير ليفي ذكرت في الفيديو أنها تعرفت عليه منذ 4 أعوام، وكذلك في صورة سابقة لها معه، رغم أنه أكّد مرارا حرصه على عدم الظهور مع وجوه إسرائيليّة قبل تحقّق السلام، ليتّضح زيف ادّعاءاته وأنّ مسألة كونه “داعية للسلام” ليست إلّا واجهة تغطّي خلفها شبكة تطبيعيّة.
وكان لؤي الشريف قد نشر في حسابه تصريحا يقول فيه “مكّة والقدس ستتصالحان فعلا نحن نقترب”، في تلميح واضح للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
خادم الإمارات
وبما أنّ رأس حربة التطبيع في العالم العربي هي الإمارات العربيّة فلم يكن من المفاجئ أو الغريب أن تكون للؤي الشريف علاقة بأبو ظبي.
لم تجد الإمارات أفضل من لؤي ليكون سفيرهم. يظهر في صور مع الجالية اليهودية في الإمارات وحسن كعبية، المتحدث باسم الخارجية الصهيونية، ويتردّد على قنصلية إسرائيل في دبي، بدعم من معلّمه محمد العيسى.
وفي المقابل لم يدّخر لؤي جهدا لإظهار تفانيه في اتقان هذا الدور فتراه ينشر صورة له مع جوردن شلمور ويتفاخر بها ويزعم بناء “جسور السلام”، لكن الواقع هو أنه يبني جسورا للتطبيع مع العدو الصهيوني.
ويظهر في مقطع فيديو وهو يشعل شمعدان (حانوكياه) في عيد حانوكا اليهودي من الإمارات.
من الإمارات إلى البحرين
وفي سياق هرولة بعض الدول العربيّة للتطبيع مع الاحتلال، سعت البحرين إلى ركوب هذه الموجة وتصدّرت عديد الوجوه الإعلاميّة والسياسيّة الخليجيّة وخاصة الإماراتيّة للدفع نحو إتمام هذه الخطوة التي لقيت معارضة شديدة من الشعب البحريني.
وفي هذا السياق جاء انتقال لؤي الشريف إلى البحرين، وقد تزامن يوم حصوله على الجنسية البحرينيّة مع عيد الأنوار اليهودي، فزار أحد المعابد اليهودية وأضاء شمعة. وشاركت سابير ليفي الاحتفال بنشر الفيديو له.
في المقابل برز في البحرين تيّار مناهض للتطبيع يدعى “تيّار ثورة 14 فبراير”، وقال في أحد بياناته: “لن يسمح أبناء شعبنا بمختلف أطيافه وتوجّهاته بأن تكون أرض البحرين موطئ قدم لأيّ صهيونيّ، وسيقاومون بشتى الوسائل أيّ خطوة تطبيعيّة مع الكيان الصهيونيّ قد يقدم عليها النظام الخليفيّ الفاقد للشرعيّة”.
وشدّد على أنّ “أرض البحرين الطاهرة ترفضُ أن يدنّسها الخليفيّون بالتطبيع مع الصهاينة وشعبها سيقاوم أيّ خيانة بشتى الوسائل”.
واعتبر أنّ “كل نظام فاسد يسعى إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني هو شريكٌ أساسي في كل جريمة يرتكبها المحتلّ الصهيوني”.
“التصهين العربي” لا يمكن أن يصدُر إلّا من شعبويّين استبطنوا النفاق وباعوا ضمائرهم تزلْفا للكيان المحتل أو الأنظمة المطبّعة له بحثا عن مكاسب ماديّة وحظوة.
لذلك بدت البغضاء من أفواه هؤلاء المتصهينين العرب، ومن أقلامهم المسمومة والمأجورة في طعنهم أمتهم ودعوتهم المسلمين من أبناء وطنهم إلى التخاذل وإعلان الولاء للصهاينة بصور متعدّدة، ودعم طغيان جيش الكيان المحتل ضد أبناء فلسطين وغزّة.
هذا الأمر يتطلّب الصحوة وعدم الاستخفاف بهذا التيار أو التقليل من شأنه وتأثيره، لأنّ أهدافه في الداخل والخارج أصبحت واضحة.
فهو يحاول إنهاء الصراع مع الكيان الإسرائيلي شعبيّا بعد إنهائه رسميّا.
لذلك نراهم في أوقاتنا هذه وهم يخوّنون من يرفع السلاح في وجه الاحتلال، ويحاولون إيجاد حالة من اليأس والإحباط، ويروّجون مبادرات تنطلق من الرؤية الصهيونية، ومن شروطها القائمة على تصفية القضية الفلسطينية ونزع السلاح من دون قيد أو شرط.