سمية المرزوقي
مع كل حمل، تصل فرص إنجاب طفل مصاب بعيب خلقي إلى 3%، بغض النظر عن الظروف الصحية للحامل أو نمط حياتها.
ورغم أن الأشخاص المصابين بعيوب خلقية هم أكثر عرضة لإنجاب طفل مصاب بعيب خلقي، فإنه يمكن للكثيرين منهم التمتع بحمل صحي.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن الوقاية من جميع العيوب الخلقية، فإن دراسات صحية تفيد بأنه يمكن للأشخاص زيادة فرصهم في إنجاب طفل سليم من خلال اعتماد السلوكيات الصحية قبل الحمل وخلاله.
فما المقصود بالعيوب الخلقية وكيف يمكن حماية الرضع من الإصابة بها؟
العيوب الخلقية
تُعرف منظمة الصحة العالمية العيوب الخلقية -التي تسمى أيضا بالتشوهات الخلقية أو الاضطرابات الخلقية- بأنها تشوهات هيكلية أو وظيفية تحدث أثناء الحياة داخل الرحم، ويمكن تحديدها قبل الولادة أو عند الولادة أو في بعض الأحيان قد يتم اكتشافها في وقت لاحق فقط في مرحلة الطفولة، مثل عيوب السمع.
وتعدّ أكثر العيوب الخلقية الحادة شيوعا هي عيوب القلب وعيوب الأنبوب العصبي ومتلازمة داون.
ولفتت المنظمة إلى أن 240 ألف طفل حديث الولادة في جميع أنحاء العالم يموتون في غضون 28 يوما من الولادة كل عام بسبب العيوب الخلقية. وتتسبّب العيوب الخلقية أيضا في وفاة 170 ألف آخر من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و5 سنوات.
ويعيش تسعة من عشرة أطفال ولدوا بعيب خلقي خطير في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
في تونس لا توجد بيانات رسمية بشأن أعداد المواليد المصابين بعيوب خلقية لكن المتخصّصة في علم الوراثة بمستشفى شارل نيكول ليليا قراوة، كانت أعلنت في وقت سابق بأن قسم الأمراض الوراثية بالمستشفى يسجل سنويا حوالي 100 حالة من المصابين بمتلازمة داون.
وبشكل عام يمكن أن تساهم العيوب الخلقية في حدوث إعاقة طويلة الأمد، الأمر الذي يلحق خسائر كبيرة بالأفراد والأسر وأنظمة الرعاية الصحية والمجتمعات.
ولتفادي ذلك، تشدّد دكتورة دلندة الشلي، طبيبة مختصّة في أمراض النساء والتوليد ورئيسة قسم طب النساء والتوليد بمركز التوليد وطب الرضيع بتونس، على أهمية التقصي المبكر والكشف عن مختلف الأسباب والمشاكل الصحية التي تخلف تشوهات لدى الرضيع، وفق تقرير للمجلة الطبية التونسية.
وأكّدت الدكتورة الشلي بضرورة القيام بجميع الفحوصات قبل الزواج وقبل الحمل وخلاله، وعدم التهاون في القيام بأي تحليل، لأن ذلك يساعد على الكشف المبكر لأي إشكال أو تشوه في الجنين، والذي سيساعدنا لاحقا في الكشف عن السبب ومحاولة تفاديه أو تقليص خطره سواء بالنسبة للحمل الحالي أو مختلف المرات الأخرى التي تحمل فيها المرأة.
الأسباب المحتملة للإصابة
تنتج بعض أنواع العيوب الخلقية عن تشوهات وراثية مثل تشوهات الكروموسومات (على سبيل المثال متلازمة داون أو التثلث الصبغي 21) أو عيوب جين واحد (على سبيل المثال التليف الكيسي).
كما تزيد القرابة (عندما يرتبط الوالدان بالدم) أيضا من انتشار العيوب الخلقية الجينية النادرة، ويضاعف تقريبا خطر وفاة الأطفال حديثي الولادة والإعاقة الذهنية وغيرها من الحالات الشاذة.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن للدخل المنخفض تأثيرا غير مباشر على العيوب الخلقية، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 94% من العيوب الخلقية الحادة تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويرجع ذلك إلى عدم تمكن جميع النساء الحوامل من الوصول إلى الأطعمة المغذية الكافية، أو زيادة نسبة تعرضهنّ للعدوى وفقدانهنّ إلى الرعاية الصحية والفحص اللازم في الوقت المناسب.
يعد عمر الأم أيضا عامل خطر للتطوّر غير الطبيعي للجنين داخل الرحم، حيث يزيد عمر الأم المتقدّم من خطر حدوث تشوهات الكروموسومات، بما في ذلك متلازمة داون.
وتنفي الدكتورة دلندة الشلي أن تكون الإصابة بمتلازمة داون مرضا وراثيا أو نتيجة لزواج الأقارب، مشيرة إلى أن 2% فقط من الحالات يمكن أن تكون وراثية و98% من الحالات الأخرى ناتجة عن خلل جيني قبل تكونّ الجنين.
وكانت دراسة سابقة نشرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قد وجدت ارتباطا بين عيوب القلب والتشوهات المتعددة للرضع وبين زيادة وزن أمهاتهم قبل الحمل.
ويحدث البعض الآخر من العيوب بسبب عوامل بيئية مثل التهابات الأمن أو إصابتها بالسكري والتدخين والتعرض للإشعاع وبعض الملوثات ونقص التغذية لدى بعض الأمهات (مثل نقص حمض الفوليك).
ومع كل ذلك، يصرّ الأطباء على أن معظم العيوب الخلقية لها أسباب غير معروفة، بما في ذلك عيوب القلب الخلقية والشفة المشقوقة أو الفك والقدم الحنفاء.
فعلى الرغم من أن العيوب الخلقية قد تكون نتيجة لعدد من العوامل الوراثية أو المعدية أو الغذائية أو البيئية، إلّا أنه غالبا ما يكون من الصعب تحديد الأسباب بدقة.
طرق الوقاية والعلاج
يشير الأطباء إلى أنه يمكن تفادي العيوب الخلقية باتباع نظام صحي، يعتمد مثلا على التطعيم والتناول الكافي لحمض الفوليك والطعام الصحي والرعاية الكافية قبل الحمل وخلاله.
ومن بين توصيات الوقاية، يوصي الأخصائيون الحوامل بتجنب ارتفاع درجات الحرارة أثناء الحمل وعلاج الحمى على الفور، والحرص على وزن صحي والحفاظ عليه باعتماد النشاط البدني المنتظم وتناول طعام صحي ومتوازن.
وينصح الأطباء كذلك بتجنب التدخين والحفاظ على مستوى السكري تحت السيطرة في حال الإصابة به، وإجراء التطعيمات اللازمة والآمنة خلال فترة الحمل، والحذر من عدوى الالتهابات، وعدم تناول الأدوية دون استشارة الطبيب، والحصول على حمض الفوليك من الأطعمة أو المكملات الغذائية أو مزيج من الاثنين، كل يوم.
وأكّدت دكتورة الشلي على أن علاج العيوب الخلقية يعتمد على التشخيص المبكّر، فكلما عرفنا السبب في أول فترات الحمل زادت فرص إيجاد حل للإشكال الصحي.
لكن بصفة عامة أوضحت أن المشاكل المتعلقة بالصبغيات أو الجينات لا يمكن علاجها لأن الشخص مخلوق بها، غير أنه في ما يخصّ بعض المشاكل الأخرى مثل تجمع السوائل في الصدر، وبعض التشوهات الخلقية في القلب، أو وجود ثقب في صفاق الرضيع أو كيس في أمعائه، فإنه يمكن معالجتها فور ولادة الرضيع مباشرة أو بعد ذلك تبعا لكل حالة. لكن كل هذه القرارات تعتمد دائما على التقصّي المبكّر.