عالم

كولن باول … نهاية صاحب كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق

عن سن ناهزت الـ84 عاما توفي وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول متأثرا بمضاعفات صحية نتجت عن إصابته بفيروس كورونا.

حصانة كولن باول العسكرية بصفته قائدا سابقا بالجيش الأمريكي والسياسية التي جعلته صقرا من صقور إدارة الرئيس جورج بوش، لم تتمكن من حمايته من تأثيرات كورونا مثلما حدث قبل سنوات عندما أتاحت له الهروب من المحاسبة القضائية عن المغالطات والأكاذيب التي روجها طوال سنتي 2002 و2003 بشأن مزاعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.

يعد كولن باول أول أمريكي من أصول إفريقية يتولى منصب وزارة الخارجية، كما كان قبلها أصغر مسؤول عسكري يتولى منصب قيادة الأركان، لكن إنجازاته السياسية وأوسمته العسكرية لم تمح وصمة عار الكذب والتلفيق حسب اعترافه الذي جاء متأخرا عدة سنوات.

انتقادات على السوشيال ميديا

للمفارقة لم يحظ خبر رحيل باول بتغطية إعلامية استثنائية في الإعلام الأمريكي الذي هلل لبطولاته خلال عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت سنة 1990، وكان بعدها نجما دائم الحضور في وسائل الإعلام ما بعد 11 سبتمبر. ذلك الإعلام الذي دعم واشنطن في تشكيل تحالفها الدولي لـ”نشر الديمقراطية في العراق” في 2003.

بينما لم يتجاوز الإعلان عن وفاته دقائق معدودات على شاشات التلفزيونات الأمريكية مرفقا بتقرير مختصر عن سيرته السياسية، تحول وسم كولن باول إلى عبارات واسعة التداول عبر صفحات التواصل الاجتماعي العربية، محملة بشتى اللعنات والشتائم والانتقادات والإدانة والتذكير بالأدوار القذرة والمشبوهة التي لعبها لتسويق أكاذيب تهديد العراق لجيرانه وللأمن والسلم الدوليين.

لن تنسى كثير من الأجيال العراقية والعربية مشهد كولن باول في مجلس الأمن وهو يستعرض طوال أكثر من ساعة ونصف ما قال إنها أدلة قاطعة توصلت إليها وكالة الاستخبارات الأمريكية تؤكد امتلاك النظام العراقي السابق لمعامل متنقلة في العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، بما يضمن عدم كشفها من جانب فرق التفتيش الأممية.

خاطب باول بثقة وحزم المجتمع الدولي وأعضاء مجلس الأمن يوم في 22 فيفري/فبراير 2003 قائلا: “أصدقائي كل ما أعرضه عليكم اليوم، مدعوم بمصادر صلبة وليس مجرد تخمينات أو استنتاجات… ما نكشفه لكم مبني على حقائق من مصادر استخباراتية قوية.”

خاض وزير الخارجية الأمريكي الراحل جدالا قويا مع عدد من مندوبي مجلس الأمن وممثلي بعض الدول بشأن تهديدات العراق، وأصر على المضي قدما في الدفاع عن قرار إدارة جورج بوش لغزو العراق وهو إجراء رفض مجلس الأمن تسويغه ومنحه غطاء الشرعية الدولية واعتبره احتلالا عسكريا.

سقوط الأكاذيب

بانت لاحقا بعد خراب البصرة وبغداد، وسقوط العراق في أتون اقتتال طائفي دامي وسيطرة التنظيمات الإرهابية تحت مسمع ومرآى الاحتلال الأمريكي، حقيقة الأكاذيب التي سوق لها باول وحشد من أجلها الرأي العام الدولي في سبيل تنفيذ أجندة إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

سنة 2012، أقر باول على مضض بعد أن أثبتت الوقائع عدم العثور على أسلحة جرثومية أو تدميرية في العراق بخطيئة المشاركة في مسرحية الكذب الملحون التي روج لها جورج بوش وكامل فريق إدارته، مكتفيا باعتراف مقتضب “حسنا أنا نادم على ذلك الآن لأن المعلومات كانت خاطئة”.

تصدر كولن باول الحرب الدبلوماسية لتبرير غزو العراق وتدميره بالأكاذيب والمغالطات التي أنتجت تراجيديا شاملة من الفوضى والاقتتال الداخلي والاحتلال واللجوء عاشها العراقيون، وما تزال تبعاتها مستمرة حتى اليوم ليقول لهم بعد ذلك “عذرا لقد كذبت عليكم … نحن آسفون كان الأمر متعلقا بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد”.

في بيان النعي الرسمي اعتبرت عائلة باول فقيدها “أمريكيا عظيما”، وهو توصيف قد لا يروق لآلاف العائلات الذين ذبح أبناؤهم وقتلوا في العراق على مدار سنوات الحرب.

روج كولن باول لدعايات نشر الديمقراطية والقضاء على حكم صدام الديكتاتوري، فكان الحصاد موتا وتشريدا لملايين من العراقيين يرجح أن أغلبهم سيكونون سعداء برحيله ، مرفوقا بوصمة عار كذبة “أسلحة الدمار الشامل” التي خربت البصرة.