الكراكة معلم أثري تونسيّ عاش تحوّلات كبيرة من حيث تغيّر وظيفته من برج مراقبة إلى حصن فسجن وصولا إلى فضاء ثقافي يحتضن كل صيف مهرجان البحر الأبيض المتوسط الكراكة بحلق الوادي.
وارتبط اسم الكراكة بحلق الوادي وهي مدينة ساحلية ضواحي تونس العاصمة.
أهم الأخبار الآن:
قراصنة وغزاة
كان لحلق الوادي دور استراتيجي في حماية العاصمة من القراصنة والغزاة. أما حصنُها فبناه الإسبان أثناء غزوهم مدينة تونس سنة 1535 بقيادة شارل الخامس. في هذا الغزو تحول برج المراقبة القديم إلى حصن بعد أن تغلب الإسبان على قائد الأسطول العثماني الشهير خير الدين بربروس.
ثم أصبح الحصن بعد ذلك ثكنة عسكرية إسبانية وزاد تحصينه بإضافة سور خارجي للمدينة سنة 1556.
وفي العام 1574 أعاد العثمانيون وقائدهم خير الدين بربروس فتح المدينة بعد أن دُمِّر جانب مهم منها ومن سورها، لتدخل تونس فترة الحكم العثماني الحسيني، بعد زوال الدولة الحفصية في العام 1575. وفي 1629 جعل العثمانيون الحصن سجنا للمحكوم عليهم بأحكام طويلة.
وبسبب قربه من الميناء، كان السجناء يُستغلّون للتجديف على متن السفن بوصفه نوعا من الأشغال الشاقة ومنه اشتقت كلمة “كر” باللهجة المحلية أي السحب (سحب المجاذف) ثم كراكجي، أي السجين، ليصبح اسم المكان عامة « الكراكة”.
الزندال… فن السجون
ومن سجن الكراكة ظهر مصطلح “الزندالة”. وهو اسم لسجن كبير تنفذ فيه الأشغال الشاقة.
والعبارة مشتقة من كلمة فارسية تركية تعني “زندال”. والكراكة هي سجن مجاور للميناء ومن هذه الاشتقاقات بُني الحقل المعجمي للسجون التونسية إلى يومنا هذا وأصبح الزندالي اسما لنمط غنائي وأغاني السجون الحزينة، والحالِمة بالحرية.
ويعبّر السجناء عنها بلحن حزين، صار اليوم موروثا غنائيا وفنا شعبيا. ويُطلق المصطلح أيضا على كل الزنزانات أو العنابر التي تأوي الذين يقضون أحكاما طويلة. وهكذا بدا السجن مثل مساحة سكنية تقطع مع فكرة الإبعاد والنفي.
وفي العام 1962 تمت إعادة تهيئة المدينة بأشغال استمرت قرابة سنوات. وكان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة يرغب آنذاك في إزالة المعلم، إلاّ أن مهندس أشغاله مختار العتيري اقترح ترميم الحصن واستغلاله كمعلم سياحي. فكان له ما أراد، ليصبح بعدها واحدا من أهم الفضاءات الثقافية الصيفية الحاضنة لمهرجان البحر الأبيض المتوسط الكراكة بحلق الوادي.
الترميم والإعمار
ترجح الروايات التارخية إنشاء الكراكة في أوائل القرن السادس عشر على يد شارل الخامس إمبراطور إسبانيا، كبرج صغير للمراقبة. وفي العام 1534 سقط الحصن في أيدي العثمانيين، فحوّله القائد خير الدين برباروس إلى حصن.
وفي العام التالي انتصر الإسبان على العثمانيين فأمر الإسباني شارل لوكان بترميم الحصن.
وفي العام 1556 تمت توسعته وتدعيمه ببناء حصون أخرى بارزة على الجهات الأربعة، قبل أن تدمّر بعض أجزاء الكراكة عام 1574 على يد الجيوش العثمانية أثناء حربها ضد الإسبان.
وشهد الحصن في القرنين 17 و18 عمليات ترميم جديدة. قبل أن يتم في العام 1795 تشييد جدار إضافي على شكل نصف دائرة عند الجهة الأماميّة المقابلة للبحر.
والحصن مشيّد من مزيج من الحجارة الصغيرة والمداميك الحجريّة الكبيرة. ويُعتبر من المعالم الأثرية المصنفة من قبل المعهد الوطني للتراث.
وفي السابع من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021 الماضي أشرفت وزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي على توقيع عقد لزمة بين كلّ من وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ممثّلة في المديرة العامة آمال حشانة وسمير السلامي، وهو مستثمر خاص، لترميم الحصن التاريخي بحلق الوادي الكراكة.
وترمي هذه اللزمة إلى توفير الاعتمادات الضرورية لإعادة تأهيل المعلم التاريخي الكراكة وترميمه وتحويله إلى متحف للخزف الفني بالتنسيق مع الجهات المعنية، مع مراعاة طابعه التاريخي والتراثي وذلك بهدف إعادة الاعتبار لهذا الفن الأصيل من خلال وضع مقاربة فكرية وفنية وحضارية تجعله يتصدّر المشهد التشكيلي في تونس
أضف تعليقا