تطرح مسرحية “كان وصلت” للمخرج الأسعد بوصبيع، قضية الهجرة غير النظامية في تونس، لتسليط الضوء على تنامي هذه الظاهرة في صفوف القصّر والشباب (تتراوح أعمارهم بين 12 و21 سنة)، منطلقة من قصص وتجارب واقعية بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة تونس.

وعن فكرة المسرحية يقول بوصبيع: “العمل جاء في إطار برامج منظمة “أندا العالم العربي” في حي شعبي يعدّ الأكثر تعدادا للسكان في تونس، هو حي التضامن، إلى جانب حي التحرير، غرب العاصمة تونس، من خلال استقبال النساء والأطفال والشباب الذين يحدّثوننا يوميا عن قصص أصدقائهم وأقاربهم، الذين اختاروا الهجرة غير النظامية إلى أوروبا بصفة أسبوعية”.

ويُضيف مخرج المسرحية: “موضوع الهجرة غير النظامية، أو الحرقة، كان بالنسبة إلى هؤلاء موضوعا حارقا، وهو حديث يومي للناس عمّن غادر الحي ومن بلغ السواحل الإيطالية ومن فُقد”.

وانطلاقا من هذه الشهادات والقصص، تشكّل النصّ المسرحي لدى بوصبيع وجاء معبّرا عن واقع تعيشه عشرات العائلات بصفة يومية، حيث لا يكاد يخلو منزل من منازل هذه الأحياء الشعبية من فاجعة فراق أبنائه، دون سابق إعلام، مُلقين بأنفسهم في غياهب المجهول عبر زوارق الموت.

ويُشارك في “كان وصلت” 20 شخصا من أطفال الحي الشعبي الشهير بتنامي الفقر والبطالة فيه وشبابه، وهم من بين الذين يشهدون يوميا حوادث الفقدان ويخسرون أصدقاءهم وأقاربهم في حوادث الغرق وعمليات الهجرة غير النظامية.

واستوحى بوصبيع عنوان المسرحية “كان وصلت”، من تجارب الشبان الذين يختارون الهجرة غير النظامية وسيلةً للهروب من واقعهم المُتردّي، ويُودّعون عائلاتهم بجملة: “كان وصلت توة نكلّمكم” (إن وصلت سأتّصل بكم).

وعن تدريبات المجموعة، يقول مُخرجها: “التدريب يكون بطريقة أسبوعية، لأنّ الممثّلين غير محترفين ويحتاجون إلى بعض الوقت لإتقان أدوارهم”، وهو يعتزم تأمين عروض للمسرحية في المناطق الريفية كافة لتوعية التونسيين بمآسي  الهجرة غير النظامية، ووقعها على العائلات قبل “الحرّاقة” أصلا.

كما تنوي الفرقة عرض مسرحيتها قريبا في مدينة جرجيس (جنوب شرق تونس) التي اكتوى أهلها في أكثر من مرة بفواجع “الحرقة”، داعيا الشبان التونسيين إلى توعية بعضهم بعضا بالثقافة والفن والموسيقى والرياضة، وذلك للتقليص من هذه الظاهرة المقيتة، وفق توصيفه.

وفقدت مدينة جرجيس في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، 18 شخصا في حادثة غرق مركب كان يقلّهم أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا، ليتمّ دفن جثثهم في مقبرة للمُهاجرين دون تحديد هوياتهم.

ويتمحور موضوع مسرحية “كان وصلت” حول رحلات الشباب التونسي إلى أوروبا عبر البحر دون أيّ ضمانات، وما يرافق المُغامرة المحفوفة بالمخاطر من معاناة سواء لـ”الحارق” أو العائلات “المُحترقة” أفئدتها على فلذات أكبادها ذات المصير المجهول.