سمية المرزوقي
انتقل بول ريد من مسقط رأسه تكساس إلى ناشفيل في تينيسي بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو يحلم بشقّ طريق النجومية والشهرة والمال. ولم يكن يخطر بباله أن تكون مدينته الجديدة مسرحا لجرائمه بدل عروضه الموسيقية.
كان ريد مولعا بموسيقى الريف واعتقد أنه سيصبح نجما بمجرّد صدور ألبومه الأول. لكن أغانيه ظلّت مركونة لسنوات دون أن يستمع إليها أحد غيره.
ناشفيل “تبتلع” أحلامه
في صيف عام 1994 تلّقت شيلي فيلبس، مغنية ومؤلفة أغان، مُكالمة من صديق يقترح عليها التعاون مع شاب مغمور يودّ تسجيل مجموعة من الأغاني في أحد أستوديوهات مدينة ناشفيل.
وبما أن شيلي في حاجة إلى المال، تمكّن صديقها من إقناعها بالتعامل مع بول ريد، لأنه سخي رغم فظاعة صوته وأدائه.
وبالفعل التقى بول، نهاية الأسبوع، بمجموعة من الموسيقيين وشرع في تسجيل أغانيه. وكان حقا مغنيا سيئا. فقد تطلّب الأمر إعادة كل سطر على الأقل 15 أو 20 مرة. ولم يكن لديه أيّ تناغم مع الإيقاع أو توقيته المناسب.
وبعد تسجيل أربع أغان، تقول شيلي إنها كانت تشعر بالذنب رفقة كل أعضاء الفريق لأنهم “أخذوا أمواله” مع علمهم التام أنه لا يمكن أن يكون فنانا يوما ما.
وقبل مغادرته الأستوديو، ترك بول نسخا من أغانيه لكل أفراد الفريق الذين لم يكترثوا البتّة للاحتفاظ بها أو الاستماع إليها مجدّدا.
فكانت شيلي الوحيدة التي حملت نسختها إلى البيت وألقتها بين الإسطوانات التي تحتفظ بها دون اهتمام وهي تقول: “هذا الرجل سيُطمس تماما في ناشفيل… وستأكل مدينتنا هذا الرجل المسكين حيا”.
لكن بعد ثلاث سنوات، بدا وأن بول قد سدّد ضربات موجعة إلى المدينة التي لم ترحّب به. فقد تابعت شيلي مثل غيرها من سكان ناشفيل تواتر المعلومات، على امتداد نشرات الأخبار، عن تورّط بول في قتل سبعة أشخاص.
قاتل “محلات الوجبات السريعة”
سرعان ما أطلقت وسائل الإعلام الأمريكية لقب قاتل “محلات الوجبات السريعة” على بول ريد الذي تورّط في قتل سبعة أشخاص كانوا يعملون في محلات للأكلة السريعة.
ففي صبيحة يوم 16 فيفري/فبراير عام 1997، طلب بول دخول محل “كابتن دي” للوجبات السريعة بتعلة البحث عن عمل. وبمجرد السماح له بذلك، أجبر الموظفة سارة جاكسون والمدير ستيف هامبتون على الاستلقاء على الأرض داخل الغرفة الخاصة بتبريد الأطعمة. ثم أطلق عليهما النار بدم بارد في مشهد يشبه عمليات الإعدام بالرصاص.
بعد ذلك، استولى بول على مبالغ كبيرة كانت بحوزة المدير في ذلك اليوم واستخدم جزءا منها لاقتناء سيارة بعد حادثة القتل بيومين.
ولعدم توفّر أدلة دامغة عن هوية المذنب، تمكّن بول من الإفلات بجريمته الأولى وقام بتخطيط جريمة أخرى في مكان آخر وتنفيذها.
وكان مسرح الجريمة هذه المرة أحد محلات “ماكدونالدز” بناشفيل. توجّه إلى هناك مساء 23 مارس/آذار عام 1997، وأجبر ثلاثة موظفين على العودة إلى المطعم بعد إغلاقه.
وبأسلوب الإعدام ذاته أطلق النار عليهم جميعا وأرداهم قتلى على الفور. ثم استولى على كل الأموال التي عثر عليها في المحل.
وفي الأثناء اكتشف بول وجود شخص رابع اسمه خوسيه غونزاليس وعندما حاول قتله فشل بسبب تعطّل مسدّسه. لكن ذلك لم يُثنه عن مخطّطه، واستلّ سكّينا من المطبخ وطعنه 17 طعنة.
نجا غونزاليس من موت محقّق بتظاهره بأنه ميّت عندما أراد بول التأكّد من القضاء عليه تماما. وللمرّة الثانية، ينجو بول بفعلته ويعود إلى استكمال جرائمه. فبعد مرور شهر على حادثة “ماكدونالدز”، فاجأ القاتل المتسلسل موظّفتين في مطعم “باسكن روبنز” واختطفهما، ثم حوّل وجهتهما إلى حديقة دنبار كييف، حيث ذبحهما وتركهما غارقتين في دمائهما.
الشاهد “الميت”
لم يكن بول يتصوّر أن غونزاليس الذي وجّه إليه طعنات قاتلة ما يزال على قيد الحياة، وهو من سيضع حدا لسلسلة جرائمه التي تتكرّر دون عقاب. فقد تماثل للشفاء وأدلى بشهادة مفصّلة عمّا حدث وقدّم تصوّرا تقريبيا عن ملامح القاتل، ممّا ساعد المحقّقين على رسم صورة افتراضية له. كما عثرت الشرطة على رخصة قيادة القتيل ستيف هامبتون وعليها بصمات بول.
وتمكّن المحقّقون كذلك من استخراج أدلّة دامغة من داخل سيارة بول التي اقتناها بعد جريمته الأولى وحصلوا على عيّنة من دم أحد ضحايا محل “باسكن روبنز” على حذائه.
وبمجرّد القبض عليه، ادعى بول ريد أنه جزء من مشروع السيطرة على العقل التابع لحكومة الولايات المتحدة، “ساينتفيك تكنولوجي”، والذي كان يُراقب كل تحرّكاته. وزعمت شقيقته بأنه غير مؤهل عقليا للمثول أمام المحكمة.
لكنّ القاضي لم يذعن لذلك، وأدان بول بالقتل العمد وأصدر في حقّه سبعة أحكام بالإعدام. ورغم احتجاج المُناهضين لعقوبة الإعدام، أيّدت المحكمة العليا في تينيسي جميع الأحكام.
كان آخر موعد لإعدامه مقرّرا في 3 جانفي/يناير عام 2008، لكن قاضي المحكمة الجزائية الأمريكية تود كامبل أوقف الحكم قبل تنفيذه بشهر واحد، في انتظار التحقيق في دستورية أساليب الحقن المميتة في تينيسي.
وفي النهاية، توفّي بول بشكل طبيعي، داخل مستشفى بناشفيل غرة نوفمبر/تشرين الأول عام 2013، نتيجة إصابته بمضاعفات الالتهاب الرئوي وفشل القلب ومشاكل في الجهاز التنفّسي العلوي.