قنطرة جربة…وصلها الرومان للتجارة وقطعها أهلها خوفاً من العدو

قد تبدو لك اليوم طريقا سيارة عادية تشق البحر، لكن تاريخها يحكي أكثر من ذلك. القنطرة التي تربط جزيرة جربة بمدينة جرجيس في الجنوب الشرقي التونسي سلكتها قوافل التجارة منذ آلاف السنين وعبرتها جيوش إمبراطوريات عظيمة منذ عهد الرومان. بفضلها تعززت ثقافة أهل جربة ونشطت تجارتهم.
مدينة تاريخية

تنتمي جزيرة جربة إلى ولاية مدنين بالجنوب الشرقي التونسي على بُعد بعض الكيلومترات من اليابسة، على حدود مدينة جرجيس، وهي أكبر جزيرة في شمال إفريقيا، إذ تمتد على 514 كلم مربع ويبلغ طول سواحلها 125 كلم وتَعد أكثر من 163 ألف نسمة. 

تُعد جزيرة جربة وتسمى بـ “جزيرة الأحلام” من أقدم المدن التي راهنت عليها الحضارات المتعاقبة على تونس، حيث دخلت التاريخ سنة 700 قبل الميلاد.

يقول المؤرّخ حسين الطبجي في حديث لبوابة تونس عن تاريخ الجزيرة إن القرطاجيين راهنوا على جزيرة جربة كمحطة استراتيجية لمدّ نفوذهم وتطوير تجارتهم مع ليبيا خاصة، حيث أقاموا فيها المصارف وأصبحت بمثابة بوابة للصحراء. جلب القرطاجيون الفلاحة وصناعة الفخار إلى جربة، بفضل زراعة الزيتون وتطوير صناعة الأواني الفخارية بتقنيات أتوا بها من مدينة صور اللبنانية.

أصبحت بفضلهم الجزيرة محطة تجارية مغرية للأعداء، تمرّ عبرها الأساطيل المتوسطية وتنشط فيها تجارة العبيد مع طريق الصحراء.

جربة الرومانية والممر البحري العجيب

 عن قصة دخول الرومان إلى جزيرة الأحلام سنة 146 قبل الميلاد بعد إزاحتهم القرطاجيين، يحدثنا المؤرّخ حسين الطبجي “تحدّث الرومان على مكاسب الحضارة القرطاجية في المدينة وعملوا على استغلالها وتطويرها لفائدتهم، وكان من الواجب وضع شبكة مواصلات لغايات عديدة منها التجارية والعسكرية”.في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد احتل الرومان مدينة جرجيس (زيتا سابقا) وأرادوا وصلها بالجزيرة وتحديدا مدينة مينانكس (عاصمة جربة في ذلك الوقت).

استغل الرومان “لسانا ترابيا” وواد بحرية في طريق الجزيرة، حيث لا يتجاوز عمق البحر 3 أمتار، وأنشأوا طريقا من الصخور على امتداد 8 كلم، بحسب رواية المؤرّخ حسين الطبجي.

طريق التجارة وممر الجيوش

مثل جسر جربة الروماني شريان حياة الجزيرة ومصدر دوام نشاطها وحركيتها، وسبب ازدهار تجارة الإمبراطورية الرومانية في تونس. فعبر الطريق الحجرية، نُقل زيت الزيتون عبر قوافل صحراوية وبحرية إلى القاهرة وإسطنبول وغيرها، وصُدّرت الأواني الخزفية إلى مناطق أخرى، على غرار نقل الخمور إلى مدن الشمال التونسي.

إلى جانب الدور التجاري المحوري، كان للجسر الصخري، بين جربة وبقية المدن، دورا محوريا في عديد المعارك التاريخية التي خاضها الرومان ضد أعدائهم، فتنقلت عبره أساطيل الجيوش، إما في محاولة لاحتلال الجزيرة والفوز بخيراتها أو منطلقا لخروج الجيش الروماني للذود عنها.كان جسر جربة مسلكا مهما للقبائل القادمة من الصحراء في اتجاه المدينة، بحثا عن الطعام زمن المجاعة والجفاف.

محطات ما بعد سقوط الروماني

حسب المؤرّخ حسين الطبجي، فإن أزهى فترات الجزيرة وأفضل حال للطريق التي تربطها بجرجيس، كانت خلال العهد الروماني، حيث ازدهرت المدينة ورُممت الطريق المؤدية إليها في أكثر من مناسبة. 
إلا أن سقوط الرومان سنة 364 ميلادية واحتلال الوندال المدينة أثر على الجسر الأرضي، حيث تآكل بفعل المد والجزر البحري وتضاءل نسق الحركية التجارية، وحركة التنقل عبره وكذلك كان الحال في العهد البيزنطي طيلة قرون.في ظل الحكم الإسلامي، مع دخول الحفصيين، استعاد الجسر حركيته بعد ترميمه وأنعش حياة المدينة.

يقول المؤرّخ ابن الجزيرة حسين الطبجي: إنه ومع تقدم الزمن تحت حكم الحفصيين أصبح سكّان جربة (أغلبهم من الإباضيين) وحكامها المحليون يخشون هجمات الجيش الحفصي، فاضطروا في مناسبتين لقطع الجسر أمام الأعداء خلال القرن الحادي عشر ميلادي.

كما شهد جسر جربة الروماني معارك طاحنة في القرن 16 بين العثمانيين والإسبان. يقول محدثنا : “إن القنطرة استفادت من كل هذه المعارك لأهميتها الاستراتيجية في تنقل الجيوش خاصة”.ارتبط دور الجسر الأرضي دائما بالحركة التجارية كشريان أساسي لبث الحياة في الجزيرة حتى عند دخول الاستعمار الفرنسي، حيث شهد عملية ترميم كلي وأخذ شكله الحالي كطريق مهيأة لتنقل الناس.

وأخيرا اهتمت به الدولة التونسية الحديثة بإدخال تحسينات في أكثر من مناسبة، فأصبح به جزء معلق بطول 107 أمتار ولم تتوقف به الحركة يوما، على الرغم من فتح طريق بحري موازٍ يؤدي إلى الجزيرة.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *