ديانا محمود
على دماء سياوش الذي قتله أفراسياب، حسب الشاهنامة للشاعر الإيراني أبو قاسم فردوسي، نمت شجرة الرمان، وفي رواية أخرى يقال إن فرهاد العاشق الولهان حين أتاه خبر موت حبيبته شيرين، ضرب رأسه بقضيب من الرمان، فسالت دماؤه في المكان ونمت على أرضه شجرة رمان كانت ثمارها محروقة وسوداء.
هبوط الإنسان من الجنة بسبب تفاحة، جعل اللاوعي الجمعي البشري يربط الفاكهة ارتباطاً وثيقاً بالجنة المفقودة، فهذه شجرة الرمان التي تنمو في أغلب المناطق في إيران، تحظى بسحر خاص تمنح القوة والإعجاز. تقول الرواية الزرادشتية في كتاب “زرادشت نامه” إن زرادشت أعطى اسفنديار البطل حبة رمان فأكلها وأصبح جسمه محمياً من الجروح [1] وعصياً على السهام.
لم يبتعد زرادشت في تقديسه لشجرة الرمان عن الموروث الفكري والديني لسكان أرض بلاد فارس، فاحترام الأشجار وتقديسها جزء من هذا الموروث الذي كان رائجاً ما قبل الزرادشتية. يعتقد البعض أنه وصل من الحقبة الإيلامية إلى الإيرانين القدماء، فكان قطف الثمار غير الناضجة أو قطع الأشجار المعمرة من الذنوب الكبرى، كما نقل زرادشت تقديس أربع أشجار هي البلوط والصنوبر والسرو والرمان[2] إلى عقائده الديانة الزرادشتية.
لا يزال الزرادشتيون حتى اليوم في إيران يقدسون الرمان ويصنعون منه عسلاً خاصاً يتناولونه في مراسم قراءة الدعاء، فيما توضع أغصان الرمان على مائدة النوروز عند البعض وتقدم لحرقها في المعابد.
يرجح بعض علماء الآثار أن الوردة التي يمسك بها داريوش الكبير على آثار مدينة برسبوليس هي وردة رمان، فيما يرى البعض أن الوردة ربما تكون وردة نيلوفر.
الرمان رمز الخصوبة والخلود في الاحتفالات الإيرانية
بطبيعتها قطعة الرمان المليئة بحبات صغيرة، تشير في الموروث الثقافي الإيراني إلى الخصوبة. وارتبطت ارتباطاً وثيقاً برحلة الإنسان في حياته من الولادة إلى الزواج إلى الموت. حيث يعتقد البعض في إيران استناداً للطب الشعبي بأن للرمان الحامض خصائص في تعيين جنس المولود الذكر، فيما لايزال بعض الإيرانيين يحتفظون بعادة رمي العروس بحبة رمان على الأرض بقوة لتترامى حباتها فيُرزق الزوجان بأطفال بعدد الحبات الملقاة على الأرض. أيضاً يقدم الزرادشتيون في إيران الرمان هدية للمتزوجين الجدد لمباركة أبنائهم. وفي طقوس دفن الموتى القديمة كان بعض الإيرانيين يضعون أغصاناً تحت الذراع اليسرى للميت، تكون من التمر أو من الرمان.[3]
تبدو صور الرمان في فصل الخريف وبداية الشتاء دافئة وجذابة على صفحات التواصل الاجتماعي في إيران،فلا تزال للرمان مكانة خاصة على مائدة ليلة يلدا الاحتفالية التي تقام ليلة 21 كانون الأول (ديسمبر) ترحيباً بالشتاء، فيما تزرع شجرة الرمان في أغلب الأماكن الدينية في إيران يزورها الناس ويزينها البعض بأقمشة وخيطان متمنياً أن يتحقق له أمر ما.
كتب محمد غياث الدين صاحب معجم “غياث اللغة” أن أكل رمان ياسين يقي من الأمراض، (وهو الرمان الذي يوضع على مائدة عيد النوروز الإيراني وتقرأ عليه سورة ياسين أربعين مرة).
الرمان في الحكاية الفارسية والشعر
تقول الحكاية الشعبية في جبال زاغروس في إيران إن أميراً قطف رمانة عن الشجرة وهمّ بتقشيرها وإذا بصوت فتاة من داخلها حُبست في حبة رمان يخاطبه. أحب الأمير الفتاة الجميلة وأراد الزواج بها ولذا كان لابد من أن يحضر لها فستاناً وتاجاً، فتركها عند الشجرة تنتظره لكن غافلتها الساحرة السوداء الشريرة. تتعقد الأحداث مثلما يحدث في كل خرافة، لكن بالنهاية يعود الأمير ليحصل على محبوبته ابنة الرمان. بحسب تدوين المسرحي الإيراني اردشير صالح بور في كتابه “ابنة الرمان” فإن حكاية “ابنة الرمان” الشعبية وليدة الأسطورة فالإنسان كان يقرن وجوده بالنباتات ولا سيما المقدسة منها. يذكر الباحث الإيراني أحمد وكيليان في كتابته “قصص الناس” أن الرمان حظي بمكانة هامة في الأسطورة والحكاية الفارسية ومنها قصة “السمكة والرمان“، و”رمان خاتون” وغيرها من القصص.
غازل الشعر الفارسي الثري بالرموز والإشارات حباتِ الرمان، ملمسها القوي من الخارج والرطب الحلو من الداخل ونظم الحبات المتراصة في هذه الفاكهة جعلها مصدراً للاستعارة في الحب والعشق..
الرمان عند المتصوفة…وحدة الكون المنيرة
يعتقد أهل التصوف والعرفان أن الرمان يشبه في وحدته الكون الدائري يتلألأ في قلبه المؤمنون معاً. قشرة الرمان الجافة ألهمت الصوفيين للبحث عن الحقيقة الحلوة بعيداً عن المظاهر الجميلة.
ربما انتقل المفهوم العرفاني للرمان من الديانة المسيحية إلى إيران، فهو يرمز للقيامة والخلود. ارتبط العرفان لدى المسيحية برمزية الرمان، حيث اعتبر يوحنا الرمان رمزاً للكمال الإلهي، فشكله الدائري رمز لأزلية وأبدية الإله فيما تعتبر المياه في ثمرة الرمان رمزاً لعطش الروح ومحبتها.[4]
بعد دخول الإسلام إلى إيران بقيت للرمان مكانته الخاصة، ولا سيما مع ذكره مراراً في القرآن الكريم كفاكهة من فواكه الجنة، إضافة إلى ذكره في الحديث النبوي والطب الإسلامي، حيث نجده في وصايا الإمام الصادق (ع) تارةً لما فيه من منافع للجسم وتارة لمنافعه للروح حيث نقل عن الإمام الصادق قوله: من أكل رمانة على الريق، أنارت قلبه أربعين يوما.
يبقى أن نقول إن الأم الأرض هي التي تمنح القداسة لمن عليها وتخلق في جغرافيتها الأقاليم المقدسة فشجرة الرمان التي خرجت من رحم الأرض في إيران جذبت الانسان ليتأمل تركيبها الساحر ويتعلم منها.[1] كتاب زرداتشت نامه تصحيح محمد دبير ساقي ص 77
[2] كتاب عقائد الآريين القدماء للباحث اردشير خرداديان ص 114
[3] كتاب من الطين إلى الطين- محمود كتيرائي – ص 251
[4] معجم الرموز الصفحة- جان شواليه- 251