ثقافة

“قصر الجم” من حلبة مصارعة تفوح منها رائحة الموت إلى أعرق مسارح الموسيقى السمفونية

في ولاية المهدية الساحلية وفي مدينة الجم تحديدا، بني أعظم أثر روماني وثالث أكبر مسرح في العالم… “مسرح الجم” أو “قصر الجم” والذي كان يسمى في العصور القديمة “تِيسْدْرُوسْ”. 

شيّد “قصر الجم” منذ أكثر من 1800 سنة ورغم مرور الزمن ماتزال التحفة الفنية الرومانية محافظة على جمالها و شموخها. 
تاريخ “قصر الجم”
تؤكد أغلب الروايات أن الإمبراطور الروماني غورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على إمبراطور روما في ذلك العصر المبادر بإصدار أمر ببناء المسرح سنة 238 ميلاديا، ليكون مسرحا رومانيا عظيما يضاهي في العظمة والمساحة نظيره في عاصمة الإمبراطورية روما، بل يتجاوزه جمالًا وروعة وقد أطلق عليه اسم “كُولُوسِّيُومْ تِيسْدْرُوسْ”. 
تبلغ مساحة “قصر الجم” ذو الواجهة الرومانية المرتفعة، 148 مترا في 122 مترا، أما أبعاد الحلبة فتبلغ 65 مترا في 39 مترا وكانت مدارجه تتسع لحوالي 35 ألف متفرج. 
ويقع تحت حلبته، رواقان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى إلى الحلبة إضافة إلى فتحتين من جانبي الحلبة كانت تستخدمان لرفع الوحوش من أسود ونمور والمصارعين من أسرى الحرب، حيث كان المصارعون والوحوش يؤسرون في غرف تحت الحلبة ويجري إطلاقهم في الأعياد والمناسبات الضخمة التي تشهد إقبالا جماهريا ضخما من قبل الشعب والنبلاء الذين يجلسون في المدارج لمشاهدة مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين من أسرى الحروب وسباقات العربات. 
ويحتوي هذا المسرح الروماني الفريد من نوعه اليوم، على العديد من القطع الأثرية النادرة في العالم، إذ يعد من أكبر مسارح العالم، حيث يشارك ضمن قائمة المسارح العظيمة مثل كولوسيوم روما المصنف ضمن عجائب الدنيا السبع ومسرح كابوا ومسرح بوتسولي. 
وقد أدرجته اليونسكو على لائحة مواقع التراث العالمي في سنة 1979.

من مسرح للموت إلى مسرح للحياة؟ 
كان “مسرح الجم” في الفترة الرومانية حلبة مصارعة ضخمة لأشرس أنواع الحيوانات والمصارعين من أسرى الحروب وقد شهد معارك دامية أنهت حياة عدد كبير من الحيوانات والعبيد . 
لكن حلبة الموت هذه قد تحولت اليوم إلى حلبة للحياة تقام على أرضها أكبر العروض والمهرجانات الموسيقية وقد تأسس منذ سنة 1985 أول مهرجان للموسيقى السمفونية في العالم العربي وأصبح قصر الجم بذلك مسرحا عالميا يعتليه أشهر الفنانين والفرق الموسيقية في العالم.
وأصبحت تقام كل شهر جويلية من كل سنة دورة جديدة للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية في الجم، باستثناء السنة الفارطة التي شهدت انتشار جائحة كورونا في تونس والعالم والتي منعت إقامة الأنشطة الثقافية.