تونس

قرار هيئة الانتخابات يثير جدلا واسعا ويفتح الباب للتشكيك في شرعيّة الاستحقاق الرئاسي

لم يكن صادما للكثيرين من الطبقة السياسيّة وقطاع كبير من الشارع التونسي إعلان رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات فاروق بوعسكر عن استحالة تنفيذ قرارات الجلسة العامّة للمحكمة الإداريّة بخصوص قبول طعون المترشّحين للانتخابات الرئاسيّة عبد اللطيف المكّي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي.
وبدا من المتوقّع أن تتّجه الهيئة إلى هذا الاتجاه، إلا البعض الذين علّقوا بعض الأمل في أن تحافظ مؤسسة وطنيّة على الحدّ الأدنى من احترام القانون والالتزام بقرارات المحكمة الإداريّة.
هذا التوقّع كان مردّه تعليق بوعسكر على قرارات المحكمة الإداريّة، التي من المفترض أن تكون باتة وغير قابلة للطعن، بمجرّد صدورها وتأكيد النظر فيها قبل الإعلان عن القائمة النهائيّة للمترشّحين وهو ما أوحى للكثيرين بوجود سوء نيّة من قبل الجهة المشرفة على تنظيم الانتخابات.
تأكيد هذه المخاوف جاء على لسان بوعسكر بإعلانه رفض تطبيق قرارات المحكمة الإداريّة، وهو ما أثار جدلا واسعا وتفاعلا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي حول مسار السباق الرئاسي في ظل ما اعتبرته المعارضة وفعاليات المجتمع المدني انحيازا واضحا للهيئة إلى السلطة القائمة.

فضيحة وجريمة قانونيّة

ففي تدوينة على فيسبوك اعتبر المحامي والناشط الحقوقي العيّاشي الهمّامي أنّ رفض هيئة الانتخابات تنفيذ أحكام المحكمة هو جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي بالسجن والخطيّة وكذلك قانون الإبلاغ عن الفساد.
وأضاف: “إلى جانب المعركة السياسية على المرشّحين المعنيين إيداع شكايات جزائية ضد الهيئة في شخص رئيسها طبق الفصل 315 من المجلة الجزائية والفصل2 من القانون المتعلق بالإبلاغ عن الفساد لسنة 2017”.
من جهتها، قالت القاضية ورئيسة اتحاد القضاة الإداريين، رفقة المباركي، إنّ “تلاعب الهيئة بفصول الدستور والقانون للوصول إلى غاية معروفة والانقلاب على أحكام القضاء الباتة في مغالطة مكشوفة للرأي العام، فضيحة بأتم معنى الكلمة”.
وتساءلت في تدوينة نشرتها على صفحتها بفيسبوك: “عن أيّ استحالة تتحدث؟ المحكمة الإدارية بلّغتكم بمنطوق الأحكام وهذا كاف في حد ذاته بصريح الفصل 47 من القانون الانتخابي (تأذن المحكمة بالتنفيذ على المسودة)”، وفقها.
وقال المحامي مختار الجماعي في تصريح إعلامي إنّ “هيئة الانتخابات تمرّدت وانقلبت على قرارات المحكمة الإدارية”.
وأضاف أنّ “هيئة الانتخابات ضربت بقرارات المحكمة الإدارية عرض الحائط”، متابعا: “رفض تطبيق قرارات المحكمة الإدارية سابقة لم نعهدها طيلة التاريخ القانوني”.
بدوره، قال المحامي والناشط الحقوقي كريم المرزوقي إنّ “هيئة الانتخابات التفّت على قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية والتي هي واجبة التنفيذ وغير قابلة لأيّ طعن أو مراجعة”.
وأضاف أنّ “رفض تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية يعزّز الشكوك حول نزاهة المسار الانتخابي”.
وينص المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 على أنّه “يُقبل المترشّحون الّذين تحصّلوا على حكم قضائيّ باتّ، وتتولّى الهيئة الإعلان عن قائمة المترشّحين المقبولين نهائيّا بعد انقضاء الطّعون”.

الهيئة منحازة إلى السلطة القائمة

في وقت سابق، اعتبرت المعارضة أنّ إسقاط مرشّحين للانتخابات بحجة عدم استيفاء شروطهم، يعدّ تمهيدا للطريق أمام الرئيس قيس سعيّد للفوز بولاية ثانية، وذلك بعد إقرار الهيئة شروط قانونية تعجيزية.
فقد وصفت جبهة الخلاص الوطني قرارات هيئة الانتخابات برفض تنفيذ أحكام القضاء الإداري، بأنّها “بالغة الخطورة”، مضيفة أنها تمثّل “تمرّدا متعمّدا على القرار الباتّ والنّهائي للمحكمة الإداريّة”.
واعتبرت الجبهة في بيان، أنّها تعاين “تواتر الأدلة التي تثبت رغبة السّلطة القائمة في تنظيم انتخابات، بلا تنافس ولا رهان واستعمال كلّ الوسائل لإغلاق باب التّداول السّلميّ على السّلطة”.
وأضاف البيان أنّ رفض هيئة الانتخابات تنفيذ قرار المحكمة الإداريّة “جريمة موجبة للتتبّع الجزائي”، على معنى الفصل 315 من المجلة الجزائية والفصل الثاني من القانـون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين وذلك “بتعطيل قرارات السلطة القضائية”.
من جهته، قال أمين العام التيّار الديمقراطي، نبيل حجّي، اليوم الاثنين، في تصريح لبوابة تونس، إنّ هيئة الانتخابات أظهرت عدم حيادها في ملف الترشّحات للانتخابات الرئاسية.
وأضاف حجّي أنّ هيئة الانتخابات أصبحت “خصما لكلّ من ينافس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية”.
وفي تعليقه على قرار هيئة الانتخابات عدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية ورفض إعادة 3 مترشّحين لسباق الانتخابات الرئاسية، اعتبر حجي أنّ إسراع هيئة الانتخابات إلى الإعلان عن القائمة النهائية للمترشّحين قبل يوم من الموعد المحدّد مسبقا، يعكس نواياها الرامية إلى إقصاء من أنصفتهم المحكمة الإداريّة.
من جانبه، قال الصحفي زياد الهاني معلّقا على قرار الهيئة: “واهم من كان يعتقد بأن هيئة الانتخابات ستحترم القانون وتنفّذ القرارات الملزمة للمحكمة الإدارية”.
وتابع في تدوينة على فيسبوك: “نحن نعيش حالة انقلابية تم فيها الدوس على دستور البلاد واغتصاب السلطة بالقوة”، مضيفا: “كانت الانتخابات الرئاسية بتعددية حقيقية فرصة للاحتكام للشعب عبر صناديق الاقتراع، وتحديد مصير البلاد ومستقبلها بصورة ديمقراطية وشرعية”.

الانتخابات لن تكون نزيهة

ندّدت منظمات في تونس، الاثنين 2 سبتمبر 2024، بقرار هيئة الانتخابات بعدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية في علاقة بعدد من المترشّحين للانتخابات الرئاسية في تونس، معتبرة أنّ ما قامت به سابقة غير قانونية، حسب تقديرها.
وقالت منظمة “أنا يقظ”، في بيان لها، إنّ “التاريخ سيذكر يوم 2 سبتمبر 2024، كتاريخ أقدمت فيه هيئة الانتخابات بالاعتداء على دولة القانون والمؤسسات بامتناعها عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية الصادرة عن الجلسة العامّة والقاضية بإرجاع عدد من المترشّحين إلى السباق الانتخابي”.
وأكّدت أنّ ذلك “يمثّل سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات منذ الثورة”، وفقها.
واعتبرت المنظمة أنّ “امتناع مجلس هيئة الانتخابات عن تنفيذ أحكام قضائية باتة، وجه من أوجه الفساد وجريمة على معنى الفصل 315 من المجلة الجزائية”، مضيفة أنّ ما اعتبرته “تعنّتًا وإصرارًا على مخالفة فحوى الأحكام الصادرة عن الجلسة العامة لتبرير إقصاء المترشّحين، ضرب صريح لأسس دولة القانون والمؤسسات”، حسب رأيها.
بدورها، اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الاثنين 2 سبتمبر 2024، أنّ المناخ الانتخابي لا يمكن أن يكون مناخا ديمقراطيّا وسليما ونزيها وشفافا وتعدديّا وحرّا وضامنا للانتقال السلمي للسلطة، ما لم يمارس القضاء ممثلا في الجلسة العامة للمحكمة الإدارية رقابته القانونية دون أيّ ضغط مهما كان مأتاه على المسار الانتخابي ككل ويعدّل ما يمكن تعديله، وما لم يقع ضمان حياد الإدارة وحياد هيئة الانتخابات ورفع التضييقات عن الإعلاميين وعن السياسيين.
وأضافت الرابطة، في بيان نشره رئيسها بسام الطريفي على صفحته بفيسبوك، أنّ “كل المؤشرات تؤكّد أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يمكن أن تكون نزيهة وشفافة، ولن تضمن تعددية حقيقية ولا مساواة حقيقية بين مختلف المترشّحين، وهي بالتالي لن تعبّر عن حقيقة الإرادة الشعبية”.

بين الهيئة والمحكمة

وكان رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر قد قال، خلال النقطة الإعلامية للإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين المقبولين للانتخابات الرئاسية، إنه “تعذّر الاطّلاع عن نسخ الأحكام الصادرة في الآونة الأخيرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بسبب عدم إعلام هيئة الانتخابات بها طبق القانون، في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها من طرف كتابة المحكمة الإدارية وذلك تطبيقًا لصريح منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من القانون الانتخابي ورغم مراسلة المحكمة رسميّا وطلب موافاة الهيئة بتلك الأحكام في الآجال القانونية”، وفقه.
وبناء على ذلك، ذكر أنّ مجلس هيئة الانتخابات قرّر “بعد معاينة استحالة تنفيذ القرارات المعلن عنها مؤخرًا من طرف المحكمة الإدارية، اعتبار قائمة المترشحين المقبولين المصادق عليها بمجلسه المنعقد بتاريخ 10 أوت 2024 قائمة نهائية وغير قابلة للطعن والإذن بنشرها بالرائد الرسمي بالجمهورية التونسية، والتي تضم كلّا من المترشّحين المقبولين نهائيّا: العياشي زمال، وزهير المغزاوي وقيس سعيّد.
في المقابل أفادت المحكمة الإدارية، في بيان، أنّها تولّت بتاريخ الاثنين 2 سبتمبر الجاري، تبليغ نُسخ الأحكام القاضية بإعادة 3 مترشّحين إلى السباق الرئاسي، للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات.
وذكر البيان أنّ المحكمة تولّت تِباعًا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها، بشكل حيني لطرفي النّزاع، تطبيقا لأحكام الفصل 24 من قرار الهيئة عدد 18 لسنة 2014 المؤرّخ في 4 أوت 2014 والمتعلّق بالقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسيّة، التي تقتضي أن “تتولّى الهيئة تنفيذ القرارات الصّادرة عن الجلسة العامّة القضائيّة للمحكمة الإداريّة شرط توصّلها بالقرار أو بشهادة في منطوقه”.
ولفت البيان في السياق ذاته إلى أنّ الفصل 10 من قرار الهيئة عدد 543 لسنة 2024 المؤرّخ في 4 جويلية 2024 المتعلّق برزنامة الانتخابات الرئاسيّة، ينصّ على أن “تتولّى الهيئة الإعلان عن قائمة المترشّحين المقبولين نهائيّا بعد انقضاء الطّعون وفي أجل لا يتجاوز يوم الثّلاثاء 3 سبتمبر 2024”.