في عيد المرأة.. العاملات الفلاحيّات على هامش الحقوق والقوانين
tunigate post cover
تونس

في عيد المرأة.. العاملات الفلاحيّات على هامش الحقوق والقوانين

حَتَّامَ تُواصل "فولارة حزن الأرياف" رسم مأساتها في تونس؟
2023-08-13 06:55

تحتفي تونس، اليوم 13 أوت، بعيد المرأة، ويُعتبر محطّة مهمّة في تاريخ البلاد، إذ صدرت في هذا التاريخ مجلّة الأحوال الشخصيّة بمقتضى أمر من باي تونس في أوت 1956.

ولم تدخل حيّز التنفيذ إلّا في 1جانفي 1957.و ارتبط هذا المشروع الإصلاحي التقدّمي أساسًا بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي عزّز حقوق المرأة، فكان لهذا المشروع أثره في المجتمع التونسي.

وشكّل هذا التاريخ بعد ذلك عيدا وطنيا وفرصة لتذكير الشعب التونسي بالمكاسب الحقوقيّة، التي حظيت بها المرأة التونسية منذ استقلال البلاد.

ولكن بعد سنوات من سنّ التشريعات والقوانين، هل نجحت تونس فعلا في انتشال المرأة الريفية من واقع التهميش والإقصاء؟

هل تظلّ تونس تقف على الأطلال في كلّ عام وتُحصي إنجازات الأوّلين وتجترّ القصص النّضالية التي خلت؟

وأنا أتصفّح مواقع الإنترنت تبادرت إلى ذهني قصّة كنت قرأتها ذات مرّة عن قرية “الشبيكة”، التي ضمّنها عالم الاجتماع الفرنسي “جون دوفينيو” في كتابه الذي أصدره أواخر ستينات القرن الماضي، وجعل فيه منطقة الجريد مرصدا عالميا لتحوّلات المجتمعات القروية التي لا توليها الحكومات المتتابعة أهمية، رغم حاجة سكّانها إلى كلّ المرافق الحياتية.

ظلّ هذا العالم يجوب القرية لسنوات عديدة في ستينات القرن الماضي مع طلبة تونسيين لرصد هذه التحوّلات، وفهم أسبابها ومسبّباتها.

ونُشرت بعد ذلك أبحاثه في كتابه الشهير الذي تُرجم إلى لغات عديدة.

كان الكتاب بمثابة إدانة لتنمية فاشلة ولعجز الدولة عن الإيفاء بوعودها.

ولم يكن بطل قرية الشبيكة شخصا ذا نفوذ قوي، بل كان يتمركز حول الترقّب، وهو حالة عاطفية تتمحور حوله كل انتظارات أهل القرية، ترقّب وعود الدولة أساسا، ترقّب رفع الظلم عنهم، هكذا هو حال العاملات الفلاحيات في تونس، فمازالت النساء الكادحات في قطاع الفلاحة يترّقبن إنصاف الدولة لهنّ، ومازلن يُمثّلن الحلقة الأضعف التي تحمل أجسادهنّ المنهكة مآسي الحزن والانتظار والتجلّد، في ظلّ انعدام سياسات واضحة وعدم توفّر أدنى المرافق الأساسية.

لنقُم بمراجعة بسيطة

لقد بقي القانون عدد 51 المتعلّق بإحداث صنف نقل للعاملات والعاملين بالقطاع الفلاحي على حاله، في ظلّ غياب الإرادة السياسية وخطّة عمل واضحة ترتكز على مراقبة مدى تفعيل هذه القوانين على أرض الواقع لتجنّب الحوادث المؤلمة والمآسي المتكرّرة.

ولم يضع صدور القانون بعد حدّا لحوادث المرور التي تذهب ضحيّتها العاملات الفلاحيّات، فلا يمرّ شهر إلّا وتُسجّل مثل هذه الحوادث، رغم أنّه كان من المنتظر أن تحدث ثورة في نقل النساء الفلاحات والعاملات في القطاع الفلاحي بصفة عامة.

وهو قانون تمّت المصادقة عليه إثر الحادث المروري بالسبالة من ولاية سيدي بوزيد يوم 27 أفريل 2019، الّذي أودى بحياة 13 شخصا أغلبهم نساء، ومن بينهم طفلة.

ظلّت دار لُقمان على حالها وظلّت المأساة تتكرّر في كلّ مرّة لتُؤكّد أنّ نزيف الحوادث لم يكفّ بعد، ولنا أن نذكر سقوط ابنة الـ18 ربيعا من صندوق شاحنة يوم الثامن من أوت، وهي عاملة بالقطاع الفلاحي أصيلة منطقة “الرابطة” التابعة لمعتمدية سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد، إثر سقوطها من الصندوق الخلفي لشاحنة بالطريق بين سيدي علي بن عون و”سيدي عيش” أثناء عودتها من عملها في جني اللوز.

ومنذ زمن غير بعيد أسفر حادث انقلاب شاحنة تقلّ عملة في المجال الفلاحي، 24 جويلية 2023، على مستوى طريق الناظور ماجل بلعباس وسيدي عيش بالقصرين، عن إصابة 24 عاملا وعاملة كانوا في طريق عودتهم إلى معتمدية حاسي الفريد التابعة لولاية القصرين من ضيعات منطقة عمرة التابعة لولاية قفصة.

عنف اقتصادي وتهميش

أكّدت عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية الاجتماعية حياة العطار، أنّ العاملات في القطاع الفلاحي من أكثر الفئات هشاشة وعرضة للعنف الاقتصادي والتهميش، مبيّنة أنّ هذه الفئة من النساء تمثّل قوة كبيرة، سواء من الناحية العدديّة أو من حيث حجم النشاط والإنتاج وقيمتها الشغلية.

وأشارت العطّار، في تصريح لإذاعة إكسبراس، الجمعة 11 أوت، إلى أنّ 83٪ من الناشطين في القطاع الفلاحي يعملون بطريقة غير نظامية، حيث يعاني الناشطون في هذا القطاع من غياب الأجر اللائق والنقل اللائق وغياب الحماية الاجتماعية، إضافة إلى التمييز على أساس الجنس بالنسبة إلى العاملات الفلاحيات.

وأضافت أنّ الإنجازات مازالت دون انتظارات المجتمع المدني والنساء العاملات في القطاع الفلاحي، معتبرة أنّ المطلوب اليوم هو الاعتراف الرسمي بهذه الفئة الاجتماعية، وإرساء علاقة شغلية واضحة.وأضافت أنّ عدد النساء العاملات في القطاع الفلاحي “عددهن يتجاوز 600 ألف، أي ما يفوق نصف مليون امرأة، والنسبة الكبيرة منهنّ لا يتمتّعن بالتغطية الاجتماعية، كما أنّ 98٪ منهن يتقاضين أقلّ من الأجر الأدنى المضمون، إضافة إلى غياب النقل اللائق والحوادث التي تتعرّض لها العاملات”.

وأكدت أنّ أيّ قانون أو إجراء تتّخذه الدولة من عيد إلى آخر يبقى غير كاف، ولكن المطلوب اليوم هو إطار كامل ينظّم القطاع الفلاحي ويشمل اليد العاملة النسائية.

وشدّدت على ضرورة مراجعة مجلة الشغل والسياسات والممارسات اليومية، وأكّدت ضرورة فرض الرقابة على الوسيط بين العاملة الفلاحية والفلاح.

ودعت إلى ضرورة اعتماد مقاربات أخرى عدا المقاربة الأمنية في مراقبة الوسطاء، الذين يتولّون نقل العاملات الفلاحيات في ظروف غير آمنة.

بدائل المجتمع المدني

سعت منظّمات المجتمع المدني إلى وضع بدائل وحلول لحلّ معضلة نقل العاملات، إذ اقترح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إدراج وتشريك الوسطاء ممّن يرغبون في ذلك في حلّ مشكلة النقل عبر تكوين شركة تعاونية ذات صبغة قانونية مهمّتها نقل العاملات، وتوفير اليد العاملة للفلاحين بطريقة لائقة، وبمنطق الخدماتي بعيدا عن الاستغلال ومخالفة القوانين، حسب تحقيق استقصائي نشره موقع رياليتي.

وترى جمعية “أصوات نساء” مع مشروع “حلول”، أنّه يجب على الدولة التدخّل عبر مؤسّساتها المعنيّة لتعالج قضيّة نقل العاملات الفلاحيات خاصّة عبر المندوبيات الجهوية (24 مندوبية) وخلايا الإرشاد الفلاحي (194 خلية)، التي تملك بيانات عن الواقع الفلاحي في كلّ جهة، و يمكنها إنشاء مكاتب تشغيل حيث يمكن للنساء الراغبات في العمل التسجيل للحصول عليه.

كما أوصت وزارة النقل بصياغة إطار تشريعي استثنائي للنقل الفلاحي يسمح بإجراء تعديلات على العربات المخصّصة للنقل الفلاحي، ورئاسة الحكومة بتعديل الأمر الحكومي عدد 724 لسنة 2020، ووزارة التجهيز والإسكان بتحسين البنية التحتية للطرق الريفية، ووزارة المالية بتقديم حوافز ضريبيّة لتسهيل شراء أو تعديل العربات، ووزارة الداخلية بتشديد الرقابة على النقل الفلاحي العشوائي وتطبيق إجراءات الردع.

وقد انطلق الاتّحاد العام التونسي للشغل في بعث نقابات للعاملات في القطاع الفلاحي للتنظيم والمطالبة بحقوقهن، وبلغت هذه النقابات خمس بولايات باجة وجندوبة وسليانة وسيدي بوزيد وصفاقس، لكنّها لم تنجح في استقطابهن نظرا إلى عدم استقلاليتهنّ في اتّخاذ القرار وتعرّضهنّ للاستغلال.

رغم كلّ التحرّكات والاجتهادات ماتزال العاملات الفلاحيات تتعرّضن للتّمييز والاضطهاد والاستغلال دون تفعيل القوانين وتطبيقها، ما يستوجب وضع مطالبهن في سلّم الأولويّات وتمكينهن اقتصاديا واجتماعيّا لضمان كرامتهن وحمايتهن من العمل الموازي غير الآمن.

عناوين أخرى