سمية المرزوقي
يشكو الكثير من الناس في شتاء هذا العام، من سعال “لا ينتهي”، ومن الإصابة المتكرّرة بعدوى الأنفلونزا الموسمية التي تستمر لفترة أطول من المعتاد، في كل مرة.
فبعد عامين من انتشار كوفيد-19 وإجراء التطعيمات ضدّه لعدد كبير من التونسيين تجاوز ستّة ملايين شخص إلى غاية يوم 16 جانفي/كانون الثاني 2023، بدت عدوى الأنفلونزا الموسمية، هذه السنة، أكثر انتشارا من الفيروس التاجي.
هذا الوضع أدخل التونسيين في حالة من الخوف الشديد جعلت معظمهم يعتقدون ظهور فيروس جديد، أشدّ فتكا من الفيروس المتسبّب في الجائحة.
فما هو سر انفجار أعداد المرضى بالأنفلونزا الموسمية؟ ولماذا تستمرّ أعراض العدوى لفترة طويلة؟
موجة شديدة للأنفلونزا الموسمية
مع بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تزايدت أعداد المصابين بالأنفلونزا الموسمية إلى حدّ كبير، ما شكّل ضغطا شديدا على المستشفيات التونسية، وهو ما أكّده الدكتور رفيق بوجدارية، رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى عبدالرحمان مامي بأريانة، حيث أشار إلى أنّ المستشفيات التونسية العمومية بصدد استقبال عدد كبير من المرضى المصابين بالأنفلونزا الموسمية، والذين يشكّلون 49% من إجمالي المرضى الوافدين على المستشفيات، وفق تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
ولفت إلى أنّ: “الأسرّة بقسم الاستعجالي ممتلئة تماما بالمرضى، فيما شارفت أسرّة الإنعاش على استيفاء طاقة استيعابها، كما تجاوزت أسرّة أقسام الأطفال طاقة استيعابها لتبلغ نسبة 200%”، أي أكثر من طفلين في السرير الواحد.
وأوضح بوجدارية أن تحوّر فيروسات الأنفلونزا الموسمية وخاصّة من نوع (أ) واكتسابها قدرة أكبر على الانتشار وعلى التأثير في الصحة الجسدية للمصابين به، جعل تونس تشهد ارتفاعا في عدد الإصابات بهذا الفيروس الذي يتميّز بسرعة انتشاره بين مختلف الشرائح العمرية.
من جهتها تبنّت وزارة الصحّة هذا التفسير في بيان لها، في مسعى إلى وضع حدّ لانتشار الشائعات التي تروّج لظهور فيروسات جديدة. وأكّد نصّ البيان أنّ: “الفيروسات المتسبّبة في الإصابة بالنزلة الموسمية معتادة وغير مستجدّة”.
وعلى الصعيد العالمي، كشفت منظّمة الصحّة العالمية أنّ تلك الأوبئة السنوية تتسبّب في حدوث نحو ثلاثة إلى خمسة ملايين حالة اعتلال وخيم، مقابل وفيات تتراوح بين 250 ألف و500 ألف وفاة.
وتشير تقديرات البحوث إلى تسجيل 99% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة، المصابين بأمراض المسالك التنفسية السفلية المرتبطة بالأنفلونزا في البلدان النامية.
فجوة مناعية
يُرجع الدكتور بوجدارية انتشار العدوى بالأنفلونزا الموسمية إلى تراجع المناعة الجماعية للمجتمع التونسي، خلال السنتين الماضيتين، والتي واجهت فيها تونس جائحة كورونا مع التزام المواطنين بالحجر الصحّي والإجراءات الوقائية وقلّة التنقّل والاختلاط.
وذهبت البروفيسور كاميلا هوثورن، رئيسة الكلية الملكية للأطباء العامين، إلى التحليل ذاته، في تقرير أوردته صحيفة دايلي مايل البريطانية، بقولها: “لقد تمّ عزل معظم الجمهور اجتماعيا خلال فصليْ الشتاء الماضيين، ويبدو أنّ هذا قد قلّل من مقاومتهم العدوى وزاد من احتمال تعرّضهم للعدوى مقارنة بالسنوات السابقة. لذلك، في بعض الحالات، قد يكون الأمر متعلّقا بالتقاط عدوى تلو الأخرى”.
ووفقا للبروفيسور، فإنّ الجولة الحالية من التهابات الجهاز التنفسي قد تستمرّ لفترة أطول من المعتاد. كما لفتت إلى أنّ الفيروسات مختلفة، والتغلّب على نوع واحد من العدوى لا يمنح مناعة ضدّ نوع آخر.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن متخصّص في المناعة بجامعة أريزونا الأمريكية، قوله: “عندما تُصاب بجائحة ثم تضيف إليها مزيجا من الفيروسات الأخرى، توقّع رؤية بعض الأشياء الغريبة”.
ويستخدم بعض العلماء عبارة “فجوة المناعة” للإشارة إلى الفترة التي لم يطوّر فيها الأشخاص المعرّضون للإصابة -خاصّة الأطفال الصغار- مناعة ضدّ بعض الأمراض الفيروسية الشائعة التي اختفت إلى حدّ كبير أثناء الجائحة.
الأنفلونزا الموسمية قاتلة أحيانا
رغم أنّ الشائع، هو أنّ الرعاية المنزلية كفيلة بعلاج المصابين بالأنفلونزا، عبر الخلود إلى الراحة وشرب السوائل وأدوية خفض الحمى وآلام المفاصل، إلّا أنّ الأعراض قد تتفاقم أحيانا، وقد تقود مضاعفات المرض إلى الموت في بعض الأوقات.
وتشير إحدى الشهادات المتخصّصة التي أوردها موقع “يال مديسن” الأمريكي، إلى أنّه: “من المهم أن نتذكّر أنّ الأنفلونزا مرض يقتل آلاف الأشخاص كل عام. ففي حين أنّ لقاح الأنفلونزا قد لا يمنع الجميع من الإصابة به، إلّا أنّه سيساعد في منع انتشاره ويساعد على إبقاء الناس خارج المستشفى”.
وتظل الفئة الأكثر عرضة للمضاعفات وخطر الموت، هي كبار السن والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة وضعف المناعة، والحوامل والأطفال المتراوحة أعمارهم بين 6 و59 شهرا، وفق منظّمة الصحّة.
ويؤكّد الدكتور بوجدارية أنّ: “النزلة الموسمية لهذه السنة بصدد التأثير بشكل قويّ على كبار السن المصابين بالأمراض المزمنة، خاصّة منها التي تصيب الجهاز التنفسي”، مضيفا أنّ: “أعراض الإصابة بالنزلة الموسمية لهذه السنة تشمل الإسهال، والتقيّؤ، وارتفاع درجات الحرارة، والمعاناة من آلام الرأس والصدر، والسعال”.