وجدان بوعبدالله
“أمك طنقو يا لولاد غسلت جبّتها في الواد
أمك طنڨو شهلولة إن شاء الله تروّح مبلولة
أمك طنڨو بسخيبها طلبت ربّي لا يخيّبها
أمك طنڨو يا صبايا بالبازين و القلايا
أمك طنڨو يا نساء بالبازين و الحساء
ڨريّن فول ڨريّن فول إن شاء الله يصبح مبلول
وريقة حنّاء وريقة حنّاء إن شاء الله تصبح في الجنّة”
بهذه الكلمات الشبيهة بالطلاسم، تستغيث النساء في تونس مصطحبات أطفالهن، طالباتٍ من السماء غيثاً في مواسم الجفاف وشح المطر. هذه الطقوس التاريخية التونسية، قديمة بل معتّقة، تعود إلى التاريخ القرطاجني ولا تزال هذه الكلمات تُغنى إلى اليوم كلما شح المطر. لم يندثر هذا الطقس الأمازيغي بعد دخول شمال أفريقيا الإسلام، ورغم وجود صلاة الاستسقاء وهي مناجاة المسلم ربه حتى ينزل غيثه مدرارا يسقي الأرض العطشى فتصبح برشاء، إلا أن “أمك تنغو” بقيت كذلك طقساً شعبياً مرافقاً لطلب المطر في مواسم الجفاف.أمك تنغو أو طنبو، المقصود بها الآلهة التي كان يعبدها سكان قرطاج، وهي: التانيت أو حامية قرطاج. كانت تانيت رمزَ الخصوبة والرخاء وحكمت مع بعل أمون، بل عُبد كلاهما. وكان سكان قرطاج يقسمون باسم “تانيت” وكذلك سكان ليبيا الذين وشموا تانيت على أجسامهم.
يقول المؤرخ عبد الستار عمامو في تصريح لبوابة تونس إن “أمك تانغو” “تمثل عادة تونسية مرتبطة بالتراث الفينيقي القرطاجني وترتبط بتانيت آلهة الخصب والجمال عند الفينيقيين”. بقيت “أمك تنغو” مرتبطة بالمطر والخصوبة إلى اليوم بحسب المؤرخ. يضيف عمامو أن في المدينة العتيقة في تونس تعلق “أمك تنغو” بالمسامير على الأبواب. هذه العادة منتشرة في جميع أنحاء تونس، ونجدها حاضرة بقوة في أغاني الأطفال في تونس يقول المؤرخ.
تنغو هناك وهناك
لطلب المطر، يخرج سكان القرى وبعض المدن في تونس إلى اليوم حاملين مجسمَ دمية كبيرة (في الحقيقة هي عصا لفت بقماش وشال) تجوب الشوارع والأزقة ويرش عليها السكان حين تمر أمام بيوتهم المياه، وكأنه تعميد أو لنقل نذراً لطلب المطر.
من منطقة تونسية إلى أخرى، تتغير كلمات أغنية أمك تنغو، فهذا يطلب شعيراً وذاك يطلب فلفلاً وأولئك غايتهم فول.بدخول الإسلام أرض تونس، أضيفت صبغة إسلامية على أمك تنغو وصارت تستحضر أهل البيت عند مناجاة السماء فتقول الأنشودة الأشبه بالمناجاة: يا مطر يا ميمونة.. اسق عروق الزيتونة.. واسق محمد وعلي وفاطمة بنت النبي.
يوم الأحد 15 نوفمبر 2020، خرج سكان نابل شمال شرقي تونس يناشدون المطر رافعين “أمك تانغو” بلباسها البسيط بعد أن تأخر موسم الشتاء هذا العام على نحو غريب. جابت أمك تنغو شوارع نابل ترافقها ضحكات الأطفال ودعوات النساء إلى الله بأن يغيث أهل تونس مطراً تأخر هطوله.