“فلوجة” في موسمه الثاني.. نهاية لا تُشبه التونسيين

صابر بن عامر باستتباب كل الأوضاع المريبة والمشبوهة، بل والمرفوضة تماما من المجتمع التونسي، والتي حدثت على مدار 41 حلقة، (20 في جزئه الأول و21 في جزئه الثاني) انتهى الموسم الثاني من مسلسل “فلوجة” للمخرجة سوسن الجمني. نهاية لا هي مفتوحة ولا هم يحزنون، بل وهم فرحون، فجميع تلاميذ المعهد المكنّى بـ”فلوجة”، المشاغبون منهم، كما المخدوعون، كما المتمرّدون، نجحوا في امتحان الباكالوريا، وشمل النجاح أيضا المكلوم في حبيبته التي شجّعته على الترشّح بصفة فردية للامتحان، قبل أن تُفارق الحياة في حادث مرور، ذكّر كل التونسيين بحادثة عمدون عام 2019 التي ذهب ضحيتها نحو 30 قتيلا و17 جريحا. مغالاة في السعادة نهاية سعيدة، أسفرت عن سجن المُغتصب مدى الحياة، وحبس الشرطيّ الفاسد عشرون عاما، وزواج التلميذة رحمة بحبيبها-أستاذها المنقذ، ونجاة الفتاة “أمل” من مخالب جلّادها “كادير” في اللحظات الأخيرة. قبل أن يكشف عن وجهه الحقيقيّ بمحاولة اغتصابها كما فعل مع زميلتها “رحمة” في الموسم الأول من العمل، لولا تدخّل القدر، بأن ثابت الفتاة إلى رشدها، بعد رفضها الزواج منه دون مباركة أبويها، أو بعبارة أخرى، وكما يُقال بالعامية التونسية “رجع عليها أصلها”. وفي الحلقة الأخيرة أيضا تمكّنت الشابة “تيسير” من تضميد كلّ جراحها السابقة واللاحقة، لتكون الرابح الأكبر في مسلسل الجمني، إثر ظفرها بالثنائي الذهبي لأيّ “فتاة تونسية أصيلة”، النجاح في الباكالوريا والدخول في علاقة حب أسطورية مع أميرها الوسيم، ربّ العمل الذي فاجأها بهُيامه بها. وفي الحلقة ذاتها، أنجبت مديرة المدرسة “ليلى” وحيدتها “نور” بعد أن فاتها قطار الزواج، قبل أن تظفر بفارسها المُرتقب، وتتمكّن من الإنجاب في عمر متقدّم بفضل تجميدها بويضاتها، في ظاهرة طبية ما تزال موضع جدل ونقاش في مجتمعاتنا العربية الإسلامية. وقبلها حفلت الحلقة العشرون بعودة أبوَيْ “أمل” إلى بعضهما بعضا، رغم عمق الشرخ الذي بينهما، فعفت الزوجة عن خيانة زوجها لها، بجرّة اعتذار بسيط، وقبلها أيضا حفلت الحلقة الـ19 بعودة أم “رحمة” إلى زوجها، الذي تخلّى عنها وعن عائلته في محنتهم الكبرى، لتصفح عنه هي الأخرى إثر أزمة قلبية ألمّت به، فجأة. وفي الحلقة التاسعة عشرة أيضا، فتحت الجمني ملفا شائكا مسكوتا عنه في المعاهد التونسية، بل وفي المجتمع التونسي والعربي بشكل عام، والمتمثّل في تحرش ذوي السلطة المعنوية، ونموذجنا هنا، أستاذ، بتلميذته القاصر، لتُغلق الجمني سريعا، الملف في الحلقة التالية، بفضح الشابة المتحرش بها لممارسات أستاذها المريبة في حقّها وحقّ مثيلاتها، ليتمّ طرد المتحرش بشكل استعراضي من المعهد، دون محاسبة قانونية. هروب إلى الأوهام هكذا انتهى المسلسل المثير للجدل على مدى موسمين -بخوضه في تابوهات محظورة في مجتمعاتنا المحافظة.. لكنّها موجودة وإن استكبرنا- نهاية سعيدة مفرطة في السعادة، حدّ الإسفاف. سوسن الجمني التي قدّمت على مدار موسمين من مسلسلها الذي أثار سخط النقابات التعليمية في موسمه الأول، بتطرّقه إلى علاقة حب ممنوعة -غير معلنة صراحة- بين أستاذة وتلميذها. كما أثار غضب الشارع التونسي بكشفه النقاب عن مدى تفشّي ظاهرة استهلاك المخدرات في صفوف التلاميذ القصّر في المعاهد التونسية، مع إطناب مخرجته في تتبّع تفاصيل الظاهرة في موسمه الثاني، حتّى باتت هي الحدث الأوحد في العمل في ظل سيناريو خاو من الأحداث والمفاجآت، عكس موسمه الأول الزاخر بالإثارة والتشويق. الأمر الذي يُؤكّد لنا مرة أخرى أنّ “فلوجة 2″، ما كان له أن يكون لولا نجاح الجزء الأول منه، وإملاءات بعض الداعمين والمستشهرين، ففرُض الجزء الثاني فرضا على صنّاعه تلبية للعبة العرض والطلب، لا تأسيسا لمشروع درامي متكامل، له بداية وأجزاء ونهاية، مُبرمجة ما قبليا. ومهما يكن من أمر استمراء نجاح المسلسلات الأجزاء في الدراما التونسية من عدمها، وجب القول إنّ نهاية “فلوجة” في موسمه الثاني، بكلّ ما حواه من نهاية سعيدة لأحداث سابقة مريرة بل وخطيرة ترتقي إلى مرتبة الجريمة في أكثر من حادثة، أتت لا تُشبه التونسيين في حِلمهم المكذوب الذي أرادت الجمني إبرازه في خاتمة مسلسلها. فلا نحن سيّؤون بهذا الشكل، ولا نحن طيبّون بذاك النحو، نحن فقط تونسيون بجميع تناقضاتنا ومفارقاتنا.. بحِلمنا وغضبنا، بانكساراتنا وانتصاراتنا، بألمنا وأملنا، لكن أن تنتهي كل مشكلاتنا العويصة والمزمنة سواء الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية منها، فجأة، كحال نهاية مسلسل “فلوجة”، ففي ذلك هروب مبطّن نحو الوهم.. فما بالأوهام تُبنى الأوطان وما ببكاء بعض الساسة يستقيم حال التونسيين!

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *