ثقافة

فرنسا ولبنان وتونس تُغني “ريبرتوار” فيروز في سهرة تكريمية

بمدينة الثقافة.. الغناء والرقص والتاريخ يحكي أمجاد “جارة القمر” باللُغَتين العربية والفرنسية دعما لفلسطين
تشهد مدينة الثقافة بالعاصمة تونس، مساء الخميس 17 أفريل الجاري، عرضا استثنائيّا احتفاءً وتكريمًا لملكة الغناء العربي فيروز.
صوت لبنان وصوت الوطن فيروز، ستستحضرهما مدينة الثقافة في سهرة خاصة بأصواتها وأركانها عبر عرض يحمل عنوان “فيروز.. الحرية المقدسة” بإشراف وزارة الشؤون الثقافية.
لغتان وثلاثة فنون
وفي الليلة الفيروزية من البحر إلى القمر تُفتتح بالفيلم الوثائقي “رقصي لفيروز” بإمضاء المخرج الفرنسي دومينيك ديلابيير، في بطولة للكوريغراف اللبنانية لمياء صفي الدين وبمساهمة الإعلامي التونسي لطفي البحري.
فبعد عروض صنعت الحدث بمعهد العالم العربي باريس وعدد من المدن الفرنسية والعواصم الأوروبية، وخصيصا لعرض تونس، أعدّ الإعلامي لطفي البحري سيناريو خاصا، متكوّنا من أربع كبسولات فيديو قصيرة تُبحر في الرحاب الفيروزي الفريد، كتبها وأنجزها، حول: فيروز والأرض، فيروز والمرأة، فيروز والجسد، وفيروز والذاكرة.
وتتخلّل هذه المحاور، مداخلات مباشرة على المسرح يقدّمها كل من المطربة التونسية ليلى حجيج، والكوريغراف اللبنانية لمياء صفي الدين والإعلامي التونسي لطفي البحري.
قبل أن تُختتم السهرة بمشاركة خاصة، من بالي أوبرا تونس، وهي ثمرة ورشة تدريبية (ماستر كلاس) بإدارة لمياء صفي الدين.
ووُلدت نهاد وديع حداد المُلقّبة بـ”فيروز” في الـ21 من نوفمبر عام 1935، في قرية الدبية في قضاء الشوف بجبل لبنان.
ونشأت في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت، وسط عائلة سريانية بسيطة الحال.
عشقت مجال الفنّ منذ سنّ مبكّرة، إذ كانت تستمع إلى أشهر المطربين مذ كانت طفلة، أمثال أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، ليلى مراد، أسمهان، وغيرهم.
برعت في أداء الأناشيد المدرسية، وحازت لقب أجمل صوت” في المدرسة وهي في عمر الخامسة.
وذات صُدفة التقت الموسيقار والملحّن محمد فليفل، الذي كان يبحث في ذاك الوقت عن مواهب جديدة لتشكيل كوراله.
أُعجب فليفل كثيرا بصوتها وأقنعها بالالتحاق بالمعهد الموسيقي الذي كان يُدرّس فيه، وهناك أمضت خمس سنوات من التدريب حول غناء الطبقات العالية والمقاطع الصوتية وتجويد الآيات القرآنية.
وكان والدها رافضا فكرة غناء ابنته أمام العامة، لكن فليفل نجح في إقناعه بأنّ فيروز ستقتصر على أداء الأغاني الوطنية، فقبلَ شرط أن يُرافقها أخاها جوزيف.
سفيرة الأغنية العربية
تعلّمت فيروز الغناء والنّوتة الموسيقية، وتميّزت بسرعة التقاط الألحان وجودة أدائها.
وانضمّت في ما بعد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية، فأبهرت بصوتها المميّز رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة حليم الرومي عندما غنّت “يا زهرة في خيالي” لفريد الأطرش، فتعهّدها الرومي، ولقّبها بـ”فيروز”.
وقدّم لها بعدها ألحانا لأغان خاصّة لقيت نجاحا منقطع النظير، منها أغنية “تركت قلبي وطاوعت حبك”، وهي أوّل أغنية لها أدّتها في الإذاعة عام 1950.
وانطلقت بعد ذلك في خوض تجاربها الفنية المتنوّعة وتسجيل أغانيها على الإسطوانات، على غرار “يا عاشق الورد”، و“يا حمام يا مروح”، و“بحبك مهما أشوف منك”، و“بلادنا لنا”، و”ميسلون”.
مثّل تعاون فيروز مع عاصي ومنصور الرحباني، مرحلة فنيّة مهمّة في حياتها، إذ أحدث “صوتها الملائكي” مع توسّع موجات البثّ الإذاعي، ثورة في الموسيقى عبر الإذاعات العربية، فقد لحّن لها عاصي الأغنية الأولى بعنوان “حبّذا يا غروب” من كلمات الشاعر اللبناني قبلان مكرزل، ثمّ أغنيتَي “عتاب” و”يابا لالا”.
واتّسمت ألحان الأخوين الرحباني حينها، بالمزج بين الأنماط الغربية والشرقية واللون الموسيقي اللبناني.
واستطاعت فيروز أن تتخطّى بصوتها بلدها لبنان، لتجوب بحنجرتها الذهبية مختلف أرجاء الوطن العربي، ولتشدّ انتباه الجماهير على اختلاف خلفيّاتهم الوطنية والثقافية.
قدّمت أولى عروضها المباشرة في مهرجان بعلبك الدولي، من خلال عرض موسيقي استعراضي بعنوان “أيام الحصاد”.
وبدأ الأخوان الرحباني وفيروز بتقديم الأعمال المسرحية الغنائية، فقدّموا مسرحية “جسر القمر” و”الليل والقنديل” و”أيام فخر الدين”، وغيرها.
كما ظهرت للمرّة الأولى على شاشة تلفزيون لبنان والمشرق، بتقديم أوبريت “حكاية الإسوارة”، حتّى استمرّ ظهورها على الشاشات العربية في مختلف الأعياد والمناسبات.
واشتركت في ثلاثة أفلام سينمائية، هي “سفر برلك” و”بياع الخواتم” و”بنت الحارس”، من إنتاج المؤسّسة الرحبانية الفيروزية.
ودُعيت لتقديم حفلات موسيقية في نيويورك، سان فرانسيسكو، مونريال، لندن، وباريس.
خاضت بعد وفاة زوجها عاصي الرحباني تجارب فنية جديدة تعاملت فيها مع مجموعة مؤلّفين وملحنين، أمثال فيلمون وهبي، الذي لحّن لها “طيري يا طيارة”، “فايق يا هوى”، “على جسر اللوزية” و”يا كرم العلالي”، ومع زكي ناصيف، الذي لحّن لها “ع دروب الهوى” و”أهواك بلا أمل” وغيرهما.
صوت فلسطين
وغنّت للوطن والحياة البسيطة والحريّة والقضية الفلسطينية، أبرزها أغنية “زهرة المدائن”.
وتعاونت مع ابنها زياد الرحباني في العديد من الأغاني، أهمها: “كيفك إنت” و”إيه في أمل”، وغيرهما.
صدرت عدّة أفلام وثائقية عن حياتها، منها “جارة القمر فيروز” من إنتاج قناة الجزيرة، و”وثائقي حياة فيروز” من إنتاج القناة الثامنة الفرنسية، و”السيدة فيروز” من إنتاج قناة “الجديد”.
وتحظى فيروز بتقدير كبير، ليس فقط على المستوى الشعبي العربي، ولكن على مستوى رؤساء الدول.
وسبق أن زارها في منزلها بعض رؤساء الدول، أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فيما أعلن مجلس جامعة القاهرة، أخيرا، عن ترشيح المطربة فيروز لجائزة النيل للمبدعين العرب لعام 2025، تكريما لمشوارها الفني الحافل بالعطاء والإبداع، واحتفاءً بتاريخها الموسيقي الطويل.
كما تقرّر في فيفري الماضي تحويل منزل عائلة فيروز في زقاق البلاط ببيروت إلى متحف يهدف إلى الحفاظ على إرثها الثقافي والفني وتعريف الأجيال الجديدة بتاريخها.