تُعرف تونس بين جيرانها بانسجامها العرقي والديني، وطوال تاريخها القديم والحديث، لم تشهد صراعًا أساسه الهويات المختلفة المكونة للمجتمع التّونسي.
الاعتراف بالطبيعة العربية الإسلامية للبلاد يفرضه الدستور التونسي في مادته الأولى غير القابلة للتّعديل والّتي تقول “تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهوريّة نظامها”.
فرض اللغة العربية في الفصل الأوّل من دستور تونس يقابله فتور لدى الشباب في الإقبال على لغته الأم، خاصّة وأنّ اللهجة المتداولة في تونس هي مزيج من الحضارات المتعاقبة على المنطقة وتجد عبارات من أصول أمازيغية وأخرى تركية وفرنسية وغيرها…
“للعربيّة حماتها” هكذا اختار رئيس جمعية حماة اللغة العربية جاسر عيد أن ينطلق في حواره مع “بوّابة تونس” بمناسبة اليوم العالمي للّغة العربية، مشيرًا إلى أنّ اختيار تسمية الجمعية لم يكن اعتباطيًّا واستلهم من كلمة ينطلق بها النشيد الرّسمي التّونسي (حماة الحمى).
ويضيف جاسر عيد “نلاحظ أنّ عديد المجالات تشهد تطوّرًا في تونس منذ ثورة 17 ديسمبر ما عدا اللغة العربية نظرًا لغياب سياسة لغويّة حقيقيّة مقابل بروز إيديولوجية شوفينية متعصبة مبنية على البحث على مرجعيّات تاريخيّة وإعادة ربطها بمرجعيّات أخرى تحت عنوان الانفتاح لكنّه يشترط بالضّرورة التّمكّن من الهويّة الأصليّة وهو ما تفتقده سياسة الانفتاح”.
كما قال إنّ التمسّك بالهويّة واللغة العربية يحيل مباشرةً إلى تبنّي جميع قضايا الأمّة وفي طليعتها نصرة القضيّة الفلسطينيّة الارتقاء بالأمّة في سلّم التّرتيب بين الأمم مضيفًا أنّ محاولات لطمس الهويّة العربيّة لدى التّونسيين عبر الإيهام بالانتماء إلى هويّات أخرى موازية ويكفي القول إنّ الانتماء لـتونس لتفادي صراعات الهويّة المفتعلة.
اللغة أداة تفكير
يرى جاسر عيد أنّ تهميش اللغة العربية في تونس لم يمكّنها من إنجاب عبقرّي جديد في قيمة “أبو القاسم الشّابّي” الّذي يمثّل سفير الخضراء في العالم لغويًّا، فاللغة هي أداة تفكير قبل أن تكون أداة تواصل بل إنّ اللغة هي الفكر.
وأكّد أنّ تونس تحاول اللحاق بركب الأمم المتقدّمة بلغة غير لغتها وهويّة تتنافى والهويّة العربيّة وهو ما يجعلها في حالة ضياع.
عزوف عن اللغة العربية
أشار محدّثنا إلى أنّ أغلبيّة الشباب التّونسيين اليوم غير قادرين على تكوين جملة عربيّة سليمة، بل يتقبّل المصطلحات العربيّة بنوع من السّخرية، فالشّاب التّونسي يظنّ أنّه قادر على التّعبير بشكل أفضل عند اعتماده على اللغة الفرنسية والحال أنّه لا يجيد اللّغتين على حدّ سواء.
وأضاف أنّ عوامل عديدة ساهمت في الابتعاد عن استعمال اللغة العربية من خلال تصوير الشاب الذي يتحدّث اللغة الفصحى شابًّا ثقيل الظّل أو ذا شخصيّة مضطربة، … وحتّى اللغة المعتمدة في الإعلام وفي المسلسلات ساهمت كذلك في حشر اللغة العربية في الزّاوية والتعامل معها بنوع من الازدراء والإقصاء.
حملات ممنهجة
“أكثر ما تعاني منه اللغة العربية في تونس هو ازدواجيّة اللغات التي تظهر من خلال اللافتات الإشهاريّة في الشّوارع أواستعمال مصطلحات فرنسيّة مكتوبة بأحرف عربيّة” حيث يؤكّد جاسر عيد أنّ تونس من الدّول القلائل في العالم التي لا تعتمد لغتها الرّسمية في الإدارات والمطاعم وغيرها…
وأضاف “المحزن في الأمر أنّ اللغة العربية هي واحدة من أقدم اللغات الساميّة في العالم إلى جانب اللغة العبرية واللغة الإثيوبيّة، فالكيان الصهيوني وإثيوبيا يدرّسون الأدب والعلوم بلغتيهما الأصليّتين بينما ينكر العرب إمكانية تدريس العلوم باللغة العربية خصوصًا مع تعالي أصوات عديدة تشكّك في قدرتها استيعاب المصطلحات العلمية”.
كما أشار إلى أنّ المصطلحات العلمية في الطبّ مثلًا لا تمثلّ سوى 3.7 % من علم الطبّ ككلّ، قائلًا “من جملة 150 كلية طب في العالم العربي، 5 كليات فقط تدرّس باللغة العربيّة، جميعها في سوريا، ومن المعروف أنّ الأطبّاء السوريين هم من أبرع الأطبّاء في العالم”.