أنيس العرقوبي
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الـ9 من أكتوبر الماضي ردا على عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة قبل ذلك التاريخ بيومين، ركّزت قوات الاحتلال قصفها مجمع الشفاء الطبي زاعمة وجود عناصر من حركة حماس داخل المستشفى، فيما أكّدت مصادر فلسطينية أن الكيان وضع السيطرة على مجمع الشفاء عنوانا لسقوط غزة في محاكاة لعملية السيطرة على مطار بغداد إبان الغزو الأمريكي للعراق.
اقتحام المجمع
يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مجمع الشفاء الطبي الذي تحوّل إلى “ساحة حرب” بشهادة العاملين فيه والمنظمات الدولية المعنية بالغوث الإنساني، فيما تؤكد التقارير الواردة من قطاع غزة أن قوات الكيان قصفت اليوم الأربعاء الطابق الرابع في مستشفى الشفاء وفجرت مستودعا للأدوية والأجهزة الطبية واعتقلت عددا من النازحين وذوي الشهداء والجرحى.
وكان المرصد الأورومتوسطي أكد أنّ الاحتلال الإسرائيلي حوّل مباني مجمّع الشفاء الطبي في غزة إلى مركز للاعتقال والتنكيل، في إشارة إلى الانتهاكات التي تمارسها قواته في حق الكوادر الطبية والمرضى عقب اقتحامهم المستشفى.
ويعاني مجمّع الشفاء الطبي أوضاعا صعبة، بعد تعرّض أجزاء منه لقصف إسرائيلي خلال الأيام الماضية، فيما يؤكد الأطباء العاملين فيه أنّهم محاصرون مع المرضى والنازحين بداخله.
وردا على استهداف المجمع، نددت الأمم المتحدة باقتحام القوات الإسرائيلية المروع لمستشفى الشفاء وقالت إنّها ليست ساحة قتال ويجب حماية الأطفال الخدج والمرضى والطاقم الطبي وجميع المدنيين، فيما أكّدت منظمة الصحة العالمية فقدانها الاتصال بالطواقم الطبية، مشيرة إلى أن التوغّل العسكري داخل المرفق الصحي تثير القلق.
وعن الأوضاع داخل المجمع، كشف مشرف الطوارئ في مستشفى الشفاء أن الطواقم الصحية العاملة هناك لم تستطع نقل الجثث بسبب تحلل الأجساد، فيما تكافح الفرق الأخرى من أجل إنقاذ الجرحى والمصابين بوسائل بدائية.
مجمّع الشفاء
مجمّع الشفاء الطبي هو أقدم وأكبر مرفق صحي في قطاع غزة ويضم ثلاثة مستشفيات متخصصة هي الجراحة، والأمراض الباطنية، والنسائية والتوليد، بالإضافة إلى قسم الطوارئ، ووحدة العناية المركزة، وقسم الأشعة، وبنك الدم، وقسم التخطيط.
ويعمل في المجمع نحو 25% من العاملين في المستشفيات في قطاع غزة وتبلغ طاقته الاستيعابية بين 500-700 سرير.
ويقع مجمع الشفاء الطبي على مفترق طرق في المنطقة الغربية الوسطى من مدينة غزة في القطاع، ويطل على شارعي عز الدين القسام والوحدة، حيث يركز الاحتلال الإسرائيلي قصفه ومحاصرته لتلك المنطقة.
وتبلغ مساحة المجمّع 45 ألف متر مربع، وهو عبارة عن مجمّع ضخم من المباني والأفنية يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من ميناء صيد صغير في مدينة غزة، وينحصر بين مخيم الشاطئ للاجئين وحي الرمال.
ويعد المجمّع الطبي الحكومي التابع لوزارة الصحة الفلسطينية- وفق بي بي سي- أكبر مؤسسة صحية تقدم خدمات طبية في قطاع غزة، وأنشأه الانتداب البريطاني عام 1946 بهدف تقديم الرعاية الطبية للمرضى.
وانتقلت إدارة مستشفى الشفاء إلى مصر لنحو 20 عاما، بعد انتهاء الانتداب البريطاني، ليتمّ توسيعه وزيادة قدرته الاستيعابية.
وبعد حرب عام 1967، سيطر الاحتلال الإسرائيلي على المستشفى، وقررت إعادة بنائه ليضم غرفا تتسع لعدد أكبر من المرضى، حيث كان عدد المستشفيات محدودا جدا في غزة.
وكان للمستشفى دور أساسي في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، حيث دارت فيه أولى مواجهات الانتفاضة حينما اقتحمه طلاب فلسطينيون لمواجهة الجنود الإسرائيليين الذين اتخذوه مركز تجمع.
وفي عام 1994، أدّت قوات الأمن التي كانت تسيطر عليها حركة فتح التحية للعلم الفلسطيني بعد رفعه فوق المستشفى عندما مُنح الفلسطينيون حكما ذاتيا محدودا في غزة خلال عملية أوسلو للسلام.
ثم انتقلت السيطرة الفعلية على المستشفى بعد ذلك من السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح إلى حماس بعد الفوز الكاسح الذي حققته الحركة في انتخابات عام 2006، وبسط نفوذها العسكري على غزة عام 2007.
نصر مزعوم
منذ بدأت الحرب البرية على قطاع غزة، خط الاحتلال الإسرائيلي مسارا واضحا لعملياته العسكرية يشمل تكتيكا واحدا وهو السيطرة على مستشفى الشفاء، معتبرا إياه الهدف الأهم والحيوي.
وفي سبيل تحقيق مخططه العدواني، روج الكيان لرواية مزيفة تبنتها بعض القوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وزعم الكيان أن المستشفى يمثل مركز قيادة حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، وهي اتهامات نفتها المقاومة جملة وتفصيلا.
يعرف الكيان جيدا أنه لا وجود لمقاتلين من حركة حماس داخل المجمع وأن روايته المزيفة ليست إلا غطاء لجرائمه التي يرتكبها في حق المدنيين الأبرياء وهي تضليل يهدف من ورائه كسب الدعم الغربي في حربه التي يشنها ضد المقاومة.
غير أنّ حقيقة استهداف الاحتلال تكمن أساسا في رمزية هذا المرفق الصحي الذي اتخذ منه الفلسطينيون منبرا لكشف الإجرام الإسرائيلي المروع في حق الأطفال والنساء، فالمجمع كان مساحة اتصالية مع العالم من خلال المؤتمرات الصحفية التي تعقدها حكومة غزة والوزارة الصحة والكوادر الطبية.
ولعل المؤتمر الصحفي الذي صور بين جثث الشهداء أحدث رجّة على مستوى الرأي العام العالمي ما دفع الكيان إلى محاولة السيطرة عليه متعللا بالأكاذيب.
من جانب آخر، فإن الهوس الإسرائيلي باستهداف مجمع الشفاء الطبي يدلل بشكل واضح على طريقة تفكير قادة المحتل وتعاملهم مع مجريات الحرب الدائرة، إذ يكشف التركيز على هذا المرفق عجزهم على “القضاء” على المقاومة وقدرتها القتالية لليوم الـ40، لذلك يبحث الكيان عن نصر مزيّف.
ومع تركيز القصف على مجمّع الشفاء الطبي، كثف إعلام الكيان والدول الداعمة له تغطيتهم لاستهداف المرفق وعملية الحصار المفروضة عليه، القصد منها صناعة رواية على مقاس المحتل يشكل تفاصيلها وفق خطته العسكرية.
وترمي عملية التضخيم الإعلامي تصوير مجمّع الشفاء الرمز المعنوي للصبر التضحية على أنّه حصن المقاومة الأخير-وفق الرواية المزيفة- وبالتالي فإن سقوط المرفق الطبي يعني انهيار غزة وكتائب القسام.
هذا السيناريو الذي أعدّه الاحتلال لضرب معنويات المقاومة وداعميها في شتى أنحاء الأرض يشبه إلى حد كبير عملية السيطرة على مطار بغداد إبان الغزو الأمريكي للعراق.
ففي 2003، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أثناء غزوها للعراق الإعلام باتجاه مطار بغداد في عملية دعائية حربية قامت على اختراق الحاجز النفسي للجيش العراقي والمواطنين ونجحت في ذلك بعد أن ربطت سقوط المطار بانهيار العاصمة.
إلى ذلك، قد يكون استهداف مجمع الشفاء الطبي جزءا من خطة التهجير التي أعلن عنها الكيان في وقت سابق، فهدم البنى التحتية والتجمعات السكنية والمستشفيات بشكل خاص تهيئ لعملية طرد كبرى بدأت تفاصيلها تتكشف على ألسنة قادة الكيان.