عرب لايف ستايل

عيد الأضحى عند العرب…فسيفساء التراث والفولكلور

قد تبدو الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك، لدى العرب متشابهة في الظاهر، إلا أن المتابع لطقوسها سيلاحظ الاختلاف الجوهري والثري من قطر إلى آخر، اختلافات مرتبطة بالموروث الثقافي بعضها يسبق دخول الإسلام تم تطويعه ليناسب هذا العيد ورمزيته الدينية.

معتقلو 25 جويلية

طقوس الاحتفال بعيد الأضحى في الوطن العربي تختزل فسيفساء فولكلورية جميلة، تجمع بين تعظيم الشعيرة الدينية المقدسة ورمزيتها واحتفاء العائلات وسط أجواء الحبور والبهجة.

فرحة الأطفال ولمّ الشمل

فرحة الأطفال في عيد الأضحى قد تكون العامل المشترك الأبرز من المحيط إلى الخليج، يشكلون محور الحدث السعيد ببهجتهم  بخروف العيد وتنافسهم على ملاعبته وتزيينه واستعراضه أمام أقرانهم في الأزقة وصولا إلى أمسيات العيد التي تنتظم في عديد البلدان.

يرتبط عيد الأضحى لدى أغلب الشعوب العربية بالاجتماع الأسري ولم الشمل، حيث تلتقي العائلة الممتدة في “بيت العيلة” كما يطلق عليه في مصر والمشرق العربي عموما ودول الخليج.

وتطلق هذه التسمية في العادة على بيت “كبير الأسرة”، سواء كان الجد أو الأب أو الأخ الأكبر. ويحرص الأفراد من مختلف الأجيال على حضور شعيرة النحر بشكل جماعي والمشاركة في عملية السلخ وتقطيع اللحم وطبخ الطعام.

ووسط هذه التقاليد المشتركة، تتميز أجواء العيد بطقوس متنوعة أخرى مستمدة من التاريخ والجغرافيا والبيئة الشعبية والاجتماعية، نرصد بعضا من ملامحها.

احتفالات البوجلود في المغرب

يحرص المغاربة على أداء صلاة العيد بشكل جماعي في المساجد والجوامع، صباح العيد، متشحين بالزي التقليدي المكون من “الجلابة” أو الجلباب المزركش والطربوش الأحمر القصير والخف الجلدي، قبل العودة إلى البيوت لمباشرة عملية النحر.

وتشتهر عديد المدن المغربية بتخصيص ساحات عامة لذبح الأضاحي بشكل جماعي، في مشهد يعكس أهم قيم العيد المتمثلة في التلاقي والتلاحم.

“البوجلود” هي الميزة الأبرز التي تميز يوم العيد وهي احتفالية شعبية ترجع أصولها إلى مدينة مكناس، يقوم خلالها عدد من الأشخاص بارتداء جلود الخرفان وأقنعة ملونة والانطلاق في جولة بشوارع المدينة وأحيائها مرددين أهازيج شعبية خاصة بالعيد، تصاحبهم إيقاعات الطبول. ويتجمع الأطفال حول مواكب “البوجلود”، فيما يقوم الأهالي بتقديم الحلوى والأكلات التقليدية إليهم.

كما تعرف المغرب دون سائر الأقطار العربية بتقليد ملكي متوارث منذ عهد الدولة الموحدية، يتمثل في قيام عاهل البلاد بنحر أضحيته بساحة مصلى العيد بعد أداء الصلاة مباشرة، كما يقوم الإمام بنحر الأضحية الثانية نيابة عن سائر المؤمنين.

“رقصة الخنجر” اليمنية

يبدأ يوم العيد في اليمن بتجمع المصلين في الساحات الكبرى لأداء الصلاة، مرتدين اللباس التقليدي المكون من “الثوب” وهو الجلباب الأبيض أو “المعوز” في بعض المناطق الأخرى مع الشال والخنجر التقليدي الذي يطلق عليه تسمية “الجنبية”.

إثر الصلاة يشارك الجميع في تقليد يطلق عليه “مهرجان المصافحة”، حيث يصافح الحاضرون بعضهم البعض ويتجمعون في حلقات لتبادل التهاني والأحاديث قبل التوجه إلى نحر أضحياتهم.

وخلال الأمسيات تلتئم فعاليات احتفالية بالساحات الكبرى تنشطها فرق موسيقية شعبية. ويشارك المئات في رقصات جماعية فلكلورية شهيرة، تعرف برقصة الخناجر وهم يلوحون بخناجرهم التقليدية.

وتعتبر “رقصة الدراج” من أشهر الرقصات الشعبية اليمنية، إذ يقف المشاركون في حلقات دائرية ويتحركون بشكل جماعي متناغم على إيقاعات الموسيقى.

المائدة اليمنية تحفل بعديد الأطباق التي تتفنن العائلات في إعدادها بمناسبة العيد وأشهرها “الحنيذ” التقليدي ويتكون من لحم الخروف المطبوخ مع الأرز والمزين بشرائح من البصل الأخضر وأوراق البقدونس.

وإلى جانب “الحنيذ”، يشتهر المطبخ اليمني بوجبات شهية أخرى ترتبط بعيد الأضحى مثل “المدفون” المتمثل في طهي لحم الخروف في حفرة تملأ بالفحم قبل تغطيتها وطمرها بالتراب عدة ساعات وكذلك “المقلقل” وهو طبق من اللحم المطبوخ مع الزيت والطماطم والبهارات.

الكبدة وطبق “الفتة” بصوت أم كلثوم

رائحة عيد الأضحى في مصر تأتيك مشبعة بصوت السيدة أم كلثوم منشدة أغنيتها الشهيرة “يا ليلة العيد أنستينا” والتي يتردد صداها في الشوارع والحارات الشعبية والمحلات عبر أجهزة الراديو.

على غرار عديد الأقطار العربية، تقليد الصلاة في الساحات الكبرى يعد السمة الأبرز في بلد الكنانة.

ويتجمع آلاف المصريين لآداء الصلاة، بينما تنتشر تكبيرات العيد في كل مكان من خلال مكبرات الصوت.

“العيد فرحة”، مثل شعبي مصري لا تكتمل مفرداته إلا بطقوس جماعية في إحياء شعائره وهي ثقافة اجتماعية اشتهر بها أبناء البلاد على مدار عصور طويلة فباتت جزءا من سلوكهم وعاداتهم.

ويشترك سكان الأحياء المصرية في نحر الأضاحي بشكل جماعي، كما تقوم عديد العائلات والجيران باقتناء أضحية جماعية عادة ما تكون بقرة أو ثورا، لأسباب مالية تتعلق بغلاء أسعار الأضاحي.

الوصفات المصرية الخاصة بعيد الأضحى لا تقتصر على الكباب و الكفتة وغيرها من أنواع المشويات، إذ تتضمن أطباقا أخرى لا تقل شهرة عنها من بينها الكبدة والفتة باللحم.

وتعد الأسر المصرية طبق الكبدة كإفطار صباحي بعد الانتهاء من ذبح الأضحية وتتكون من مزيج من قطع الكبد والرئة والكلية والقلب والطحال المقلية مع البصل.

ويكن عامة المصريين عشقا خاصا لهذا الطبق صبيحة العيد ويطلقون عليه تحببا تسمية “فواكه الذبيحة”.

أما الوجبة الرئيسية التي تعدها ربات البيوت على الغداء فهي الفتة المكونة من الأرز المطبوخ مع صلصة الطماطم مضاف إليها قطع الخبز المحمص وقطع اللحم المسلوق

ديوانيات العيد في الخليج

تقاليد العيد وطقوسه في الخليج العربي تبدو متشابهة فيما بينها ولا تختلف سوى في بعض التفاصيل الثانوية لعوامل تاريخية وثقافية وقبلية.

وتولي المجتمعات الخليجية أهمية قصوى لاجتماع العائلة الموسعة بمناسبة العيد،  الجميع يشارك في شعيرة نحر الأضحية، سواء في السعودية أو الإمارات أو الكويت أو قطر.

ويردد الرجال في الإمارات عند إخراج الأضحية أهازيج شعبية أشهرها “عيد العود شايبهم كله من قرايبهم”، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأطفال الذين ينشدون طوال يوم عرفة وليلة العيد أناشيد تراثية مثل “باكر العيد بنذبح بقرة وبنعشي خماس طويل المنخره”.

أما المائدة السعودية فتتزين  بعدة أكلات أشهرها “الحميس”، المكون من قطع من اللحم  والكبد والكلية والقلب، فضلا عن “كبسة اللحم بالأرز” و”الجريش”.

ولا يكاد مشهد العيد يختلف في الكويت عن سائر أقطار الخليج، باستثناء تقليد “ديوانيات العيد”.

وتشكل الديوانيات في الكويت عرفا اجتماعيا وقبليا متوارثا. وهي مجالس جماعية تناقش فيها الشؤون السياسية والمحلية والقضايا العامة وغيرها من المسائل.

صبيحة العيد بعد نحر الأضحية تتزين مجالس الديوانيات ويقوم أصحابها وهم عادة من وجهاء القوم والقبائل والعائلات بتحضير “ريوق العيد” أي إفطار العيد.

و يتكون عادة من “العيش” أي الأرز والمرق باللحم والخضار وتقع دعوة المئات من الجيران وأبناء المنطقة لحضور هذه الوليمة الجماعية، إحياء لسنة النبي الأكرم في الاجتماع على الطعام.