صابر بن عامر
التلفزة الوطنية، مرفق عمومي، من الشعب وإليه، بل وأكثر، فالشعب التونسي، هو من يدفع لموظّفيه، مُقدّميه، مصوّريه، ومسؤوليه، وحتى تكاليف استهلاك الكهرباء والماء من خلال “إتاوة” قارة تُقتطع كل شهرين من “فاتورة” الكهرباء والغاز، حتى وإن لم يكن لمُسدّدها جهاز تلفزة أصلا.
إلّا أن بعض المسؤولين في مؤسّسة التلفزة لديهم رأي آخر، كشفته المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي كتبت على صفحتها الرسمية بفيسبوك تدوينة، قالت فيها: “كما يعلم البعض، أنا بصدد إنهاء فيلمي الطويل القادم، ياخي دڨني ربي (ابتلاني الله) وحطيت (وضعت) في المونتاج صورا أرشيفية من أرشيف التلفزة الوطنية التونسية”.
وأردفت: “مدة الأرشيف لا تتجاوز بضع ثوان، واحتراما منّا لحقوق المؤلف طلبنا من التلفزة الوطنية التونسية أن تمدّنا بشروط استغلال هذه المادة الأرشيفية، وعينك ما تشوف إلّا النور، إضافة إلى الثمن الخيالي المطلوب -ما يعادل خمس مرات ثمن أرشيف من المعهد السمعي البصري الوطني- التلفزة تحب (تُريد) أن تكون موجودة في جينيريك (تتر) البداية صاحبة حق (الأرشيف يكون دائما في النهاية)، وحق استغلال الأرشيف محدّد لمدة زمنية قصيرة تجعل من توزيع الفيلم حول العالم أمرا مستحيلا”.
وتساءلت: “هل قرّرت التلفزة التونسية أن تُعاقب كل من تسوّل له نفسه التعامل معها بجدية؟ أم أنّها -يفترض أن تكون داعمة للسينما (وهذا موضوع آخر) متشمّتة بنا؟ أم أنها لا تعرف شيئا عن نواميس اقتناء الأرشيف المعمول به حول العالم؟ أم أن المسألة تعجيزية بيروقراطية؟ شكون ينجم يعاونني؟ (من يستطيع مساعدتي؟)”.
وختمت بن هنية تدوينتها، قائلة: “الفيلم فيه مواد أرشيفية أخرى من قنوات عربية وأجنبية كان التعامل معها سريعا وناجعا… علاش هكا (لماذا) يا تونس؟”.
وإثر انتشار الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ندّد عدد من التونسيين بتصرّف التلفزة الوطنية، داعين إلى تغيير موقفها ودعم المخرجة كوثر بن هنية، وهي التي حصدت العديد من الجوائز في المحافل الدولية مشّرفة بها تونس.
وكوثر بن هنية (46 سنة)، ولدت في سيدي بوزيد ودرست الإخراج السينمائي في معهد الفنون والسينما في تونس العاصمة وفي جامعة “لا فيميس” في باريس، ودرست فيها أيضا كتابة السيناريو منذ 2005.
أخرجت في 2006 أول فيلم قصير لها بعنوان “أنا وأختي والشيء”، وفي 2010 الفيلم الوثائقي “الأئمة يذهبون إلى المدرسة”.
وشارك شريطها القصير “يد اللوح” في عدة مهرجانات سينمائية وفاز بأكثر من عشر جوائز. كما أخرجت شريطا طويلا بعنوان “شلاط تونس”. وعُرض فيلمها “على كف عفريت” في قسم جائزة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي سنة 2017.
ورُشّح الفيلم ذاته لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار الحادي والتسعين في 2019.
ونالت عن فيلمها الروائي الوثائقي “زينب تكره الثلج” التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية 2016. ووصل فيلمها “الرجل الذي باع ظهره” في 2021، إلى القائمة القصيرة للأعمال المرشحة لجوائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
وتنتمي بن هنية إلى جيل السينمائيين التونسيين الشباب الذين نقلوا إلى الشاشة الكبيرة قضايا مجتمعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشدّدة قبل ثورة 14جانفي/كانون الثاني 2011، وقدّمت طرحا جريئا، مساهمة في ظهور “سينما جديدة”.
هذه هي كوثر بن هنية في سعيها الدائم إلى تشريف الراية الوطنية فنيا.. فهل يرى فيلمها الجديد النور، أم يتحوّل بدوره إلى أرشيف -غير مُنجز- في ظلّ تعنّت التلفزة الوطنية، وعدم السماح لها باستعمال أرشيفها الوطني بمقابل معقول؟ أم للحكاية تداعيات أخرى؟.. لننتظر.