علي بن سالم.. شيخ المناضلين الذي تحدّى الدكتاتورية وصارع الاستعمار
tunigate post cover
تونس

علي بن سالم.. شيخ المناضلين الذي تحدّى الدكتاتورية وصارع الاستعمار

"عم علي".. قصة "الرابطي الأول" في بنزرت الذي تقلب بين ميادين العمل الثوري والنضال الحقوقي ونجا من الإعدام مرتين
2023-07-27 15:57

وجدي بن مسعود

سيظلّ مشهد تسلّم المناضل الحقوقي المخضرم علي بن سالم رئاسة أول برلمان تونسي بعد الثورة في ديسمبر 2014، لحظة تاريخية فارقة محمّلة بالرمزية والدلالات السياسية والإنسانية الغامرة.
فوسط تصفيق كلّ من حضروا الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب في الثاني من ديسمبر 2014، ارتقى شيخ الحقوقيين التونسيين أو “عم علي” -كما يطيب للجميع مناداته- إلى سدّة الرئاسة، وسط عاصفة من العواطف والانفعالات والتأثّر. عجز في خضمّها عن حبس عبراته التي انهمرت غزيرة في تلك اللحظات.
تاج من غار
لم يحظ ذلك الموقف بما يليق به من احتفاء وتخليد في أوساط الرأي العام، أو استقراء مضامينه وأبعاده العميقة من قبل وسائل الإعلام، لكنه على بساطته كان بمثابة تاج من الغار والشرف كلّل نضال أكثر من نصف قرن من مسيرة الراحل، واعترافا بالجميل باسم أجيال من المناضلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
بعد مرور تسع سنوات على تلك اللحظة، ترجّل عميد الحقوقيين التونسيين علي بن سالم في صمت وهدوء، بعيدا عن ضوضاء الإعلام وأضوائه، كمعظم تجربته المحمّلة بحكمة الفلاسفة وفراسة الشيوخ وشرف الدفاع عن مبادئه وقيمه وقناعاته الإنسانية والسياسية.
سنوات النضال المبكّر
خاض المناضل علي بن سالم عشرات المعارك منذ حقبة الاستعمار الفرنسي، وعرف محنة السجن والإيقافات والملاحقات الأمنية أكثر من مرة على مدار سنوات عمره الذي امتدّ إلى الثالثة والتسعين، فكان من أوائل من قال لا في وجه الزعيم بورقيبة بعد أن رفض سياساته واختلفت بينهما السبل، مثلما كان معارضا شرسا زمن بن علي ومن أوائل “الرابطيين”، وأحد مؤسّسي فرعها في مدينة بنزرت.
طوال مسيرة “عم علي” -كما يناديه شيوخ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وشبابها- وعلى مدار أكثر من نصف قرن، صارع شيخ المناضلين التونسيين الاحتلال الفرنسي، فعرفته ميادين العمل السياسي وطنيا مخلصا متحمّسا لقضية الاستقلال التي تحمل في سبيلها التضييقات والملاحقات، إلى أن أجبر على السفر سرا إلى ليبيا بعد صدور حكم بالإعدام في حقّه من القضاء الاستعماري، حيث تلقّى تدريبا عسكريا تمهيدا للالتحاق بالكفاح المسلّح، إذ شهدت له بندقية العمل الفدائي بالجرأة والصلابة.
خلاف وانقلاب على بورقيبة
لم يحل احترامه للزعيم الحبيب بورقيبة خلافه معه إبان الصراع اليوسفي البورقيبي، لتبدأ معه فصول خلاف مرير بين الرجلين بعد اختطافه وسجنه في معتقل سري خلال الحملة، التي استهدفت أنصار الزعيم الوطني صالح بن يوسف قبيل الاستقلال.
ظلّ علي بن سالم أسير محبسه شهورا، قبل أن يتمكّن من الفرار والتواري عن الأنظار إلى غاية تدخّل رئيس المجلس القومي التأسيسي جلولي فارس لمنحه حصانة استثنائية.
سنة 1961، قُدّر ليشخ المناضلين أن يخوض جولة جديدة من المواجهة مع الجيش الفرنسي خلال معركة الجلاء، حيث قاد مجموعة خاصة من المتطوّعين شهدت شوارع مدينة بنزرت على ما سطّرته من بطولات في التصّدي للآلة العسكرية الاستعمارية الغاشمة، وكلّفته إصابات في أسفل الظهر والرقبة قبل وقوعه في الأسر.
الخصومة السياسية مع بورقيبة، كلّفت “عم علي” السجن إحدى عشرة سنة إثر مشاركته في المحاولة الانقلابية على المجاهد الأكبر سنة 1962، لينجو للمرة الثانية من حكمٍ بالإعدام، ولعلّ تجربة السجن شكّلت المنعطف الرئيسي في إعادة تشكيل قناعة الرجل وآرائه ومواقفه نحو المجال الحقوقي، وبوابةً لنشاطه السياسي باعتباره معارضا للسلطة.
الرابطي الأول في بنزرت
سنة 1981، أسهم علي بن سالم في تأسيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بنزرت، لتعرفه ساحات العمل الحقوقي والنضالي، مدافعا عنيدا عن الحريات والديمقراطية ومعارضا لسياسات الدكتاتورية زمن بن علي وممارسات نظامه القمعية وعمليات التعذيب في السجون، فضلا عن تحمّله مسؤوليات مختلفة ضمن المجلس الوطني للحريات والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب وودادية قدماء المقاومين.
سنة 2014، اُختير المناضل الشيخ على رأس قائمة حزب نداء تونس للانتخابات التشريعية عن دائرة بنزرت، فجسّد انتخابه لعضوية أول مجلس برلماني في عشرية الانتقال الديمقراطي، تكريما معنويا ورمزيا، وختاما مشرفا لسجلّ حافل بالعطاء والتضحيات تكريسا لضلحرية والتعدّدية وحقوق الإنسان. 

عناوين أخرى