تونس ثقافة

عزيزة عثمانة: “الطائيةُ التونسية” وأمّ المساكين

الأميرة المحسنة ورائدة العمل الخيري التي ما تزال آثارها شاهدة على عطائها 
إذا جاز القول بأن لكل زمان “طائيه”، نسبة إلى حاتم الطائي أكرم العرب وأجودهم، فإنّ عزيزة عثمانة تشكّل “نموذجا طائيا” في عصرها، وقد تفوق أعمالها الخيرية وإحسانها وجودها على الفقراء والمحتاجين واليتامى، سواء منها المعلن أو المخفي، ما عُرف به أكرم الأعراب عطاء.
ليس من باب المبالغة القول إنها أمّ المساكين والمعسرين، والمتعففين ممن أعوزتهم الفاقة والاحتياج، فكانت يدها ممتدة بالخير والإحسان، حتى نهاية حياتها، واستمرت بعد رحيلها رمزا للتكافل، يترجم القيم النبيلة إلى أعمال ملموسة ما تزال بصماتها قائمة.

أصول عثمانية

تنحدر أصول الأميرة عزيزة عثمانة المولودة في القرن الـ17 وحسب أغلب الروايات سنة 1606، من أصول تركية، إذ كانت تنتمي إلى الدايات العثمانيين الذين حكموا تونس بعد دخولها تحت الوصاية العثمانية.
ويذكر المؤرخ التونسي الكبير حسن حسني عبد الوهاب في كتابه المختصر في تاريخ تونس، أنها ابنة أبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان داي الذي حكم البلاد التونسية فيما بين 1593 و1610، هو ما يفسر كنيتها “عثمانة”، التي عرفت بها، نسبة إلى العثمانيين.

الأوقاف لدعم العمل الخيري

على الرغم من انتماء الأميرة المحسنة إلى عائلة ذات نفوذ وثراء، فضلا عن زواجها لاحقا من حمودة باشا المرادي، إلّا أنها عرفت من صغرها بالتقوى والورع والإقبال على العمل الخيري، فكانت لا تغفل معاناة الفقراء والمحتاجين، أولت اهتماما كبيرا بالأعمال الخيرية، والأيتام، والمرضى وفاقدي السند، وأوقفت قسما واسعا من أملاكها وأغلب ثروتها للاتفاق على البر والإحسان بشكل مستمر.
ينقل بعض المؤرخين عن البعض أنّ عزيزة عثمانة، كانت مرهفة الإحساس إلى جانب تديّنها وحبها للخير، فكانت تستشعر الفقر كظاهرة لابد من معالجتها، ما شكّل دافعا للانطلاق في رحلة من البذل والعطاء جعلتها تتفرد في زمانها.
من الأعمال التي اشتهرت بها أنها بعد أدائها فريضة الحج، وعودتها أعتقت ما لديها من عبيد، ورصدت لهم مبالغ من المال حتى يبدأوا حياة جديدة وهم أحرار.
ومن بين أعمالها الجليلة كذلك توصيتها وقف ثلث أملاكها وعقاراتها في مدينتي صفاقس و المهدية، والتي كانت تناهز مساحتها 90 ألف هكتار، على عدد من المشاريع الخيرية الدينية والإنسانية، من بينها عتق العبيد وإعالة العجّز وقراءة القرآن الكريم، وختان أبناء الفقراء وتجهيز الفتيات الفقيرات للزواج.
ترتبط ذكرى عزيزة عثمانة، اليوم بالمستشفى الذي يحمل اسمها في العاصمة تونس، ووفق الروايات المتداولة، فإنّ موقع المستشفى كان ملجأً أوقفته الأميرة المحسنة للمرضى المعوزين حيث يتلقّون العلاج والرعاية مجانا.
رحلت عزيزة عثمانة عن الدنيا عام 1669، فيما ما تزال أعمالها شاهدة على كرمها وعطائها، لتجسّد أن العطاء الحقيقي هو الذي يستمر بعد صاحبه، وأنّ الأيادي البيضاء لا تموت.