شدّد مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المفكّر العربي عزمي بشارة، على أن المقاومة الفلسطينيّة ما تزال تخفي الكثير من القدرات ولم تقدّم كل ما لديها رغم “أنّ ما قدّمته أمر كبير بكل الحسابات”، مؤكّدا أن الاحتلال لم يواجه بعد كل ما جهزته المقاومة في قطاع غزة.
واستهجن بشارة في حديث إلى تلفزيون “العربي”، ما وصفه بـ”التواطؤ الدولي” مع استهداف إسرائيل المستشفيات، معتبرًا أنّه غير مسبوق، مذكّرًا بأنّ طفلًا يُستشهد كل عشر دقائق في غزة، بشهادة المنظمات الأممية.
واعتبر أنّ الولايات المتحدة ما زالت تشارك إسرائيل أهدافها، لا سيما من ناحية “تنفيذ المهمّة”، في إشارة إلى “القضاء على حركة حماس”، معربا عن اعتقاده أنّ الفرصة أمام إسرائيل لإنهاء المهمة لا تتجاوز الشهر، مرجّحًا في الوقت نفسه أن يستمرّ الوضع الكارثي في قطاع غزة لوقت طويل.
واعتبر بشارة أنّ القمة العربية الإسلامية أفرزت قرارًا عمليا واحدًا هو كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، مشدّدًا على وجوب إدخال قوافل الإغاثة والمساعدات إلى قطاع غزة دون ارتهان للخطة العسكرية الإسرائيلية.
وفي سياق حديثه عن صمود المقاومة الفلسطينية في الميدان، جدّد المفكر العربي عزمي بشارة التأكيد أنّه “لا مقارنة بين قدرات المقاومة وقدرات الاحتلال”، مبيّنا أنّ لدى إسرائيل أسلحة لم تزود الولايات المتحدة أحدًا غيرها بها على الإطلاق، حتى دول الناتو، في حين أنّ المقاومة تحت الحصار، استطاعت أن تنجز ما أنجزته، معتبرًا أن ذلك بحدّ ذاته يعد إنجازًا يسجَّل للمقاومة، وفق ما أورده الموقع الإلكتروني لقناة “العربي”.
وقال بشارة في حديثه إلى التلفزيون “العربي” إنّه “لا مخرج سوى النضال”، مشيرًا إلى أنّ المقاومين يسجّلون الآن سطورًا في البطولة والتضحية، منوّهًا بالتصميم الذي يمتلكونه، لا سيما بعدما حوّل الاحتلال الإسرائيلي الصراع إلى قصة “حياة أو موت”، عدا أنّهم مؤمنون بما يقومون به.
وفيما أعرب عن اعتقاده أنّ المعركة مستمرة، جزم أنّ إسرائيل لم تواجه بعد كل ما هو موجود ومجهّز للمواجهة. ولفت إلى أنّ هناك عشرات آلاف الشبان المسلحين، كانوا يتدربون كل الوقت بانتظار هذه اللحظة التي تنزل فيها إسرائيل إلى البرّ، فصرّح قائلا: “لا أعتقد أنهم قدّموا كل ما عندهم، ومع ذلك فإنّ ما قدّموه كبير بكل الحسابات”.
في المقابل، اعتبر مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ الخطاب الإعلامي للمقاومة لا يرتقي إلى درجة البطولات التي يسطّرها هؤلاء المقاومون، مشدّدا على أنّ اللغة المستخدَمة في هذا الخطاب يجب أن تكون مدروسة بعناية، وبصيغة لا تؤخذ عليها مؤاخذات قد تخدم السردية المعادية.
وأوضح أنّ الخطاب الإعلامي يجب أن يرتقي إلى درجة النضال والتضحيات وما يقدمه الشعب بأسره وليست المقاومة فحسب، وبالتالي فالخطاب يجب أن يكون في مستوى تضحيات المقاومة والشعب أيضًا، ويجب أن يكون بلغة عدالة القضية.
وفيما اعتبر أنّ هنالك الكثير الذي يجب فعله لترقية الخطاب الإعلامي، دعا إلى التمييز بين مضمون الخطاب الرسمي، ومضمون خطاب الناس، شارحًا أنّ الإنسان تحت القصف لا يُلام، حتى لو شتم، رافضًا بهذا المعنى المزايدة على الناس ومآسيهم.
ولئن شدّد على أنّ المطلوب بعض المسؤولية والتواضع في التعامل مع ما يمرّ به السكان في قطاع غزة، فقد لفت إلى أنّ القضية عادلة والمقاومة بطلة والشعب صابر، لذلك يجب ترقية الخطاب الرسمي للمقاومة بحيث يتلاءم مع ذلك.
في الجهة المقابلة يرى عزمي بشارة أنّ بعد ما حصل في السابع من أكتوبر، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى وضع خطة عسكرية، وبعد ذلك عملت على ملاءمة الوقائع مع الخطة، بدل أن يحصل العكس.
ولفت في هذا السياق، إلى أن الخطة انطلقت من الشمال وبعض المناطق من الشرق لمحاصرة مدينة غزة، لكنّ ذلك أثار تساؤلات بعد ذلك، فالإسرائيليون لا يعلمون فعليا أين هي أنفاق المقاومة الفلسطينية، وكذلك مراكز قيادة حماس، التي يمكن أن تكون في الجنوب.
وفيما رأى أنّ هذا الأمر خلق نوعًا من الارتباك لديهم، لفت إلى عنصر مهمّ لا يجب إخراجه من الحساب والاعتبارات وهو أنه قد يكون هناك ارتباك بمعنى أنّهم خططوا لأمرٍ ما دون أن يأخذوا كلّ شيء في الاعتبار.
وقال بشارة إنّه إذا لم تكن لديهم خطة عسكرية لاحتلال قطاع غزة، فبالتأكيد لم تكن لديهم خطة لما يسمونه هم اليوم التالي بعد تنفيذ المهمة، أي “القضاء على حركة حماس”، وفق ما يعرّفون المهمة بالخط العريض، وذلك من حيث حجمها وقوّتها العسكرية.
وفيما أشار إلى أنّهم يحاولون التشاور حول ذلك مع العرب الذين يرفضون علنيا ورسميا نقاش هذا الأمر، ويتمسّكون فقط بالحديث عن وقف إطلاق النار، لفت إلى أنّ الأمريكيين يتحدّثون عن مؤتمر سلام لا بدّ أن يعقد في النهاية، ويعود الحديث عن دولتين.
لكنّه ذكّر بأنّ مثل هذا السيناريو سبق أن جُرّب بعد حرب العراق حين عقد مؤتمر مدريد للسلام وانطلق مسار أوسلو، متسائلاً: “من قال إنّ المصير سيكون أفضل هنا؟ وهل يوجد فعلاً استعداد إسرائيلي لدولتين على حدود 1967؟”.
وفي حين نفى وجود استعداد إسرائيلي لهذا السيناريو، جزم أنّ الإسرائيليين لن يبقوا في غزة، وأنّهم لا يمكنهم البقاء في غزة، لا سيما أنّهم سبق أن انسحبوا من القطاع، علمًا أنّ من انسحب من غزة ليس شخصًا معتدلاً إنما أرييل شارون الذي لن يتفوقوا عليه في العسكريتاريا، ربما جاء في الموقع الإلكتروني لقناة “العربي”.
وأضاف قائلا: “يبحثون عن شريك عربي يقبل بأن يدير شؤون السكان في قطاع غزة بعد أن يخفَّف عدد السكان مع معابر مفتوحة إلى العالم العربي”. ولاحظ أن هذا النموذج مطبّق في الضفة وهو فاشل.
ترتيبات “اليوم التالي” لانتهاء الحرب على غزة
وإذ لفت إلى وجود سؤال كبير حول رد فعل الناس بعد كل ما سيحصل، قال: “الأكيد هناك ناس تعبت وأرهقت وتريد أن تنتهي الحرب، لكن هناك أشخاصًا خسروا كل ما لديهم، ويمتلكون مشاعر شديدة بالرفض والحقد على كل ما تمثله إسرائيل”، مشدّدًا على أنّ أي تحليل في اتجاه ترتيبات سلسة ومرنة ستحدث، لا يبدو واقعيا اليوم.
وذكّر بشارة في حديثه إلى التلفزيون “العربي” بأنّ إسرائيل لم تكن يومًا جاهزة لدفع أعباء الاحتلال بل كانت تريد الاستفادة من الاحتلال، بدليل أنّ قادة إسرائيل لم يستثمروا في المناطق المحتلة مثل باقي الاحتلالات، مضيفا: “هم غير مستعدّين للدفع والاستثمار في منطقة محتلة لأن عقليتهم كلها مبنية على الاستيطان والتهجير وليس على التطوير أو التنمية كباقي أنواع الاحتلال”.
وذكّر بأنّ الإسرائيليين غير جاهزين ليدفعوا أي قرش في المناطق المحتلة، “بل إنّهم يجبون ضرائب من السكان ولا يسلمونها بل يسرقون جزءًا منها”.
ورأى أنّ القيادات الفلسطينية ضيّعت فرصة بعد فرصة للوحدة، مشدّدًا على أنّه “لا يمكن لا حكم غزة ولا الضفة دون وحدة فلسطينية إلى حين بناء ديمقراطية وتعددية”، لكنه قال: “لا نستطيع لوم أحد على تفويت هذه الفرصة”.