تونس سياسة

عدنان منصر في حوار خاص ببوابة تونس يقدم قراءة في مشروع قيس سعيد لتعديل النظام السياسي ويتحدث عن المنصف المرزوقي

حاوره وجدي بن مسعود 

رغم اعتزاله العمل السياسي بعيد تجربته الحزبية الأخيرة صلب حراك تونس الإرادة، وتفرغه للعمل الأكاديمي إثر اختلافات في التوجهات والرؤى مع الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، فإن الناطق الأسبق باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر ما يزال حاضرا في المشهد العام من خلال مواكبته التطورات التي تشهدها الساحة السياسية في تونس منذ 25 جويلية/يوليو الماضي، وحضوره عددا من المنابر الإعلامية للتعليق عليها.

في حوار خص به بوابة تونس، قدم منصر قراءته للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه حكومة نجلاء بودن ومعالم المشروع السياسي لرئيس الجمهورية، إلى جانب التصعيد الأخير في العلاقة بين رئيس الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل.

– كيف تقيم قدرة حكومة بودن على الإنجاز في ظل الصعوبات الكبرى على الصعيد الاقتصادي والعجز غير المسبوق في الميزانية؟

حكومة نجلاء بودن جاءت في ظرف استثنائي دستوريا ومؤسساتيا، ويتوجب عليها مواجهة انعكاسات أزمة اقتصادية محتدمة منذ سنوات، وبالتالي أتصور أن مسؤولية الإنجاز بالنسبة إلى الحكومة الحالية يجب أن ينظر إليها في علاقة بالوضع الحالي وخاصة القضايا المرتبطة بسد العجز في الميزانية والمشكل الاقتصادي والمالي، وهي مسائل مرتبطة بظرفية دولية وتونسية إقليمية منذ 25 جويلية/يوليو و22 سبتمبر/أيلول.

كما أن الفريق الوزاري يشتغل في نوع من العزلة الاختيارية بحكم الظروف والتوجهات التي فرضها الرئيس قيس سعيد، وبالتالي فإن محاسبة نجلاء بودن وحكومتها لا يجب أن تخضع للمعايير نفسها المعتمدة في تقييم أداء الحكومات السابقة، خاصة أنها ذات طبيعة تقنية بالأساس وبلا رؤية أو برنامج واضح ما يجعل من معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير مرتبطة بأدائها، إذ يجب أن تتوفر عوامل أخرى تجعلها قادرة على مواجهة المشاكل وخاصة العلاقة مع الممولين الدوليين وكذلك الثانويين وهو ما يمهد له رئيس الجمهورية قيس سعيد باعتباره المسؤول الأول.

– بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي الذي يعتبر أولوية قصوى، هل تعتقد أن الحكومة قادرة على مواجهة الملفات الاجتماعية الأكثر حساسية المتوارثة منذ سنوات والتي تشمل التشغيل والبطالة والتنمية؟

لا أحد يتنظر من هذه الحكومة مواجهة هذه الملفات، فمهمتها الأساسية ظرفية ترتبط بسد الثغرة في الموازنة وإيجاد تمويلات للفترة القادمة وليست مطالبة بالخوض في الشأن السياسي، وهذا الأمر بدا واضحا من أداء رئيس الجمهورية ومن السيدة نجلاء بودن، ما يجعل الحكومة بمثابة واجهة تقنية لقيس سعيد الذي يمسك بكل السلطات ويحدد توجهاتها.

– هل تعتبرون بناء على هذا التحليل أن حكومة نجلاء بودن هي مجرد إطار تنفيذي يضمن لرئيس الجمهورية التحكم في إدارة كامل سياستها؟

هي بمثابة جهاز تنفيذي باعتبار أن الرئيس قيس سعيد لا يمكنه القيام بكل المهام بمفرده أو عن طريق ديوانه، وهو ما جعله يختار تشكيل حكومة مضيقة بهذه الحقائب وبنزعة تقنية.

– هل يؤكد هذا التمشي من وجهة نظركم نزعة رئيس الجمهورية في الانفراد بكامل السلطات التنفيذية؟

الأمر لم يعد يتعلق بنزعة، بما أن قيس سعيد يعتمد في نظام حكمه على المراسيم والأوامر التي يصدرها. فالأمر لم يعد مجرد هواجس في ظل الوضعية الاستثنائية، ورئيس الجمهورية لا يخفي أنه ينفرد بالسلطة بصفة كلية ويسيطر على كل المؤسسات.

– في علاقة بالجدل المرتبط بالمرسوم 117 الخاص بالأحكام الانتقالية الذي كان محل نقاشات قانونية ودستورية، هل تعتقدون أن رئيس الجمهورية يتجه نحو إلغاء الدستور الحالي وكيف تقرأ ملامح مشروعه المتمثل في تعديل النظام السياسي؟

رئيس الجمهورية قال إنه سيكلف لجنة لتتولى إعداد بديل للدستور بعد أن علق الأبواب المتعلقة بالنظام السياسي وترك الأبواب الخاصة بالحقوق والحريات والسلطة القضائية، ولكن بالمقابل أعلن عن نيته إصدار أمر بإعادة تنظيم المجلس الأعلى للقضاء.

قيس سعيد قال بوضوح إنه غير راض عن الدستور الحالي من ناحية النظام السياسي والعلاقة بين السلطات، لكن يبقى التساؤل عن إمكانية فرض دستور جديد أو أبواب دستورية جديدة لمجرد أن رئيس الجمهورية يريد ذلك، وهل أن اللجنة التي يتحدث عنها سيقتصر دورها على مجرد تقديم مقترحات.. وما مدى تمثيلية التوجهات السياسية داخلها.  

أعتقد أن قيس سعيد سيقترح تنظيما سياسيا جديدا للسلطات، سيكون بمثابة دستور جديد سيصدره ربما بمرسوم أو سيقترحه على الاستفتاء، وفيما عدى ذلك لا يمكن الحديث عن اتباع قيس سعيد توجها معينا في صياغة الدستور سوى أنه يرغب في العودة إلى نظام رئاسي يحدد معظم السلطات.

أما في ما يتعلق بمسألة الديمقراطية القاعدية فلم يتبن الرئيس وجهات نظر الناقدين  بشكل صريح حتى الآن.

– ما مدى دستورية هذا التمشي المتعلق بتعديل النظام الرئاسي وإعداد مشروع دستور جديد في ظل تجميد البرلمان.. وهل يمكن أن يكون الاستفتاء الشعبي ضمانة لإضفاء مشروعية على مبادرة الرئيس؟

أعتقد أن الرجل سيقترح دستورا جديدا وسيتوجه إلى الشعب للاستفتاء عليه، وهذه الوسيلة متعارف عليها لكن يبقى السؤال هل يمكن اعتبار ذلك أسلوبا ديمقراطيا؟ اعتقد أن الإقرار بديمقراطية هذا الأسلوب ليس ضروريا، فالكثير من الدول والديمقراطيات العريقة ألغت هذه الآلية لأنها قد تصبح في لحظة معينة بمثابة استفتاء على الشخص وليس على المضمون، وبالتالي فهل أن دستورا صيغ بشكل جماعي توافقي أقل قيمة من مشروع تصوغه لجنة مضيقة أو شخص واحد، في اعتقادي أن الخلاف سيكون بشأن مدى تشريك مختلف الجهات في التفكير بشأن الدستور الجديد ومدى قدرة الرئيس في الإقناع بأن النص الجديد أفضل من الدستور الحالي وأن الاستفتاء ممارسة ديمقراطية.

– خلال الأيام الماضية بدت ملامح توتر جلية في العلاقة بين اتحاد الشغل ورئيس الجمهورية نتيجة الخلاف في وجهات النظر بشأن مبادرة الحوار الوطني، فكيف تقرأ مسار التصعيد بعد الانتقادات الحادة التي وجهها نور الدين الطبوبي إلى قيس سعيد؟

أرى هذا التصعيد طبيعيا فالاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المنظمات الوطنية كان شريكا في صياغة دستور2014 وبالتالي فإذا كانت الأحزاب غير قادرة على مواجهة الرئيس نتيجة اهتراء شرعيتها وعدم قدرتها على التواصل مع الشارع، فإن اتحاد الشغل يعتبر نفسه شريكا في هذه الصياغة وهذا ما يفسر موقفه الحالي.

وأنا أقول أن الاتحاد في لحظات معينة وإن بدا بصدد الدفاع عن موقف سياسي فإنه فعليا بصدد التعبير عن موقف اجتماعي، فحديث الرئيس عن التقشف بالمعنى الاجتماعي هو حديث عن التقشف في النفقات الاجتماعية وهذا مقلق بالنسبة إلى المركزية النقابية التي أمضت عدة اتفاقات مع الحكومات السابقة و يفترض أن يبدأ تطبيقها في الفترة القادمة.

الأزمة المالية ستأخذ شكل احتقان اجتماعي واتحاد الشغل لن يبقى صامتا تجاه هذا الوضع، والمشكل بالنسبة إلى رئيس الجمهورية هو تقاطع الاحتجاجات الاجتماعية التي تؤطرها النقابات مع الموقف العام الرافض لما يقوم به على المستوى السياسي، واعتقد أن تصريحات الاتحاد تعبر عن هواجس وتخوفات من تدمير منظومة كاملة ساهم في انشائها.

– إلى أي مدى يعتبر تجاهل الرئيس مقترحات القيادة النقابية بالنسبة إلى حوار القوى الوطنية وعدم تشريكه عاملا مؤثرا في هذا التصعيد الأخير؟

مبادرة الاتحاد طويت فعليا وواقعيا منذ أشهر طويلة وحتى من قبل 25 جويلية/يوليو الماضي، الرئيس تجاهلها وقام بالكثير من التسويف إلى أن سقطت من تلقاء نفسها فلا معنى لمبادرة يقدمها الاتحاد ولا يتبناها رئيس الجمهورية.

قيس سعيد الآن يطرح شكلا جديدا للحوار وهو أقرب إلى سبر الآراء دون تشريك أية جهة نتيجة رفضه الكامل لكل التنظيمات الحزبية وغير الحزبية وهو موقف عبر عنه منذ الانتخابات، يبقى السؤال هل الرئيس قادر على إنجاز حوار مقنع والإيحاء بأن الإصلاحات التي سيقوم بها هي نتيجة توجهاته وأنه بإمكانه الذهاب في تطبيق نظام سياسي جديد بقرار فردي، أعتقد أن هذه النقاط ستكون بمثابة مطبات بين الرئيس وبين بقية القوى الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل.

كيف تعلق على قرار إصدار بطاقة جلب دولية بحق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي؟

لا بد من التذكير أولا أن النيابة العمومية لم تتكفل بالدعوى من تلقاء نفسها بل بموجب طلب من رئيس الجمهورية خلال مجلس وزاري وخلال أمر وجهه قيس سعيد إلى وزيرة العدل، وبالتالي فتحرك النيابة العمومية جاء نتيجة تعليمات من الرئيس ما يجعله يتحمل مسؤولية مباشرة في ما أعتبره نوعا من “العبث القضائي”، فلا رئيس الجمهورية و لا القضاء التونسي قادران على تنفيذ القرار لأن بطاقات الجلب الدولية تتطلب الكثير من المقومات حتى تأخذها السلطات الأجنبية بالجدية اللازمة، وإلى حد الآن لم تنجح تونس في تنفيذ أية بطاقة جلب نظرا لاعتبار الجهات الدولية أن هذه القرارات صادرة عن سلطة قضائية غير مستقلة من الاعتبارات السياسية، فإذا تعلق الأمر ببطاقة جلب صادرة عن رئيس الجمهورية فالأمر يصبح متعلقا بدعوى سياسية، كما أن انعكاساتها السياسية ستكون مؤثرة، لأنها ستضع المنصف المرزوقي على المستوى الحقوقي والسياسي مجددا في الصورة، وأتصور حسب معرفتي بالرجل أنه قد يعود إلى تونس وسيجبر السلطات على التعامل معه ما قد يخلق انعكاسات لن تكون في صالح قيس سعيد ووضعية الاستقرار التي يريد أن يصل إليها.

تصريح المرزوقي عن دوره في إلغاء احتضان تونس للقمة الفرنكوفونية أثار جدلا سياسيا كبيرا، فهل تتفق مع الاتهامات التي وجهت إليه بفرض تدخلات خارجية في الشأن الداخلي؟

لا أصدق أن المنصف المرزوقي أقنع هذه الدول بعدم عقد القمة حتى لو قال ذلك، والرئيس قيس سعيد استغل هذه الفرصة والتصريح حتى لا يعترف أن الوضع غير العادي للمؤسسات في تونس هو ما منع انعقاد القمة، فهناك منفعة مشتركة حققها الرجلان.. المرزوقي بادعاء التأثير ورئيس الجمهورية من خلال ادعائه أن ذلك هو ما عطل القمة للإفلات من الإجابة عن السؤال هل تونس تعيش عزلة ديبلوماسية أدت إلى الغاء الحدث.