عرب

عبد الرزاق مقري: هدف الصهاينة تكرار التجربة الأمريكيّة بإبادة السكان الأصليّين

حذّر المفكر الجزائري عبد الرزاق مقري من أن الهدف الذي يرنو إليه “الصهاينة” في فلسطين اليوم هو تكرار التجربة الأمريكية في إبادة السكان الأصليين بقارة أمريكا الشمالية قبل قرون.

معتقلو 25 جويلية

واعتبر في حوار لوكالة الأناضول أن “إسرائيل” في حد ذاتها هي “منتج استعماري غربي تمت صناعته لعرقلة خروج المارد الإسلامي من قمقمه”.

ورأى مقري أن عملية “طوفان الأقصى” في قطاع غزة “عطلت موجة التطبيع مع إسرائيل، وفضحت همجية الصهاينة ووحشتيهم، ونبهت العالم لخطر دولة الكيان على الأمن والاستقرار العالميين”.

واعتبر مقري، الذي يتولّى منصب أمين عام “منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة”، أن الحضارة الغربية “قائمة على الظلم والعدوان، وانتهاك حقوق الشعوب”.

وقال إن “الكيان الاسرائيلي هو في حد ذاته منتج تاريخي استعماري غربي”، والتشابه بين هذا الكيان والحضارة الغربية “ليس على أساس المحاكاة، لكنه أصلي عضوي”.

وأشار إلى أن “الولايات المتحدة قامت على أساس إبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر بقارة أمريكا الشمالية) والحلول محلهم في الأرض، وهذا ما يريد الصهاينة تكراره” في فلسطين اليوم.

وأضاف: “الصهاينة لا يؤمنون بحل الدولتين الذي رجع الحديث عنه بعد عملية طوفان الأقصى، ولا يؤمنون أيضا بدولة واحدة يعيش فيها معا المسلمون والمسيحيون واليهود”.

وتابع: “هم يريدون دولة يهودية يرحل منها الفلسطينيون إلى الأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية، بعد أن يُباد من يُباد منهم، ويتخلى القليل الذي يبقى معهم عن ثقافته وأرضه وحقوقه”.

في هذا الصدد، تطرق مقري إلى الحضارة الغربية وكيفية قيامها، فقال إن الغرب “بنى حضارته على أساس إبادة شعوب الحضارات الأخرى، وتدمير ثقافتهم، واستلابهم حضاريًا”.

وأشار مقري إلى أن “السفن الاستكشافية للدول الأوربية حين ذهبت إلى القارة الأمريكية وأستراليا في القرن الـ15 الميلادي حملت معها إلى تلك البلاد مجرمين مارسوا الإبادة الجماعية بحق السكان الأصليين، حيث تم سحق حضارات عريقة كالإنكا والأزتيك والمايا”.

وذكر أن “أشكال الإبادة تعددت آنذاك حيث شملت القتل الجماعي، والطرد من الأراضي، ومحو المعالم الثقافية، والاستيطان، والإحلال السكاني”.

ولفت مقري إلى أنه “مع مرور الوقت أصبحت اللغات الأوروبية لغات تلك البلدان المُستعمرة، كما باتت المسيحية ديانتها، ولم تبق ثقافات الشعوب الأصلية إلا فلكلورًا للفرجة في محتشدات يعيش فيها أهل الأرض كمواطنين من الدرجة الثانية”.

وأضاف أن الشعوب الأصليين لتلك البلدان “يفتك بهم إلى حد الآن الجهل والأمراض والإدمان وغير ذلك، علاوة على الانتهاكات العظيمة في حق الإنسان الإفريقي الذي اختطفوه من بلاده، وحولوه إلى عبد مقهور في القارة الأمريكية لا علاقة له بجذوره”.

وأشار إلى أن “ما فعله الأوربيون في القارة الأمريكية فعلوا مثله في البلاد التي استعمروها في إفريقيا وآسيا”.

فالاستعمار الفرنسي، وفق مقري، “أباد قرابة 7 ملايين إنسان في الجزائر طيلة فترة الاستعمار التي امتدت بين عامي 1830 و1962، أي قرابة نصف السكان مثلما جاء في الإحصائيات الرسمية الجزائرية، وفي الأرشيف الفرنسي، ولدى كثير من الباحثين الفرنسيين”.

وأوضح مقري أن “الاستعمار الغربي الإسباني والبرتغالي والفرنسي والبريطاني والإيطالي والألماني سابقًا والأمريكي والإسرائيلي الآن يصوّر الضحية وكأنه القاتل والمتوحش والبربري، كما نرى ذلك في الأفلام ووسائل الإعلام وفي كتب التاريخ الغربية المفبركة”.

كما لفت إلى أن “العقلية الغربية الهمجية تحولت إلى فلسفة وقواعد دراسية عبر ما يسمى المذهب الواقعي في السياسة والعلاقات الدولية”.

وبين أن هذا المذهب يقوم على “العنصرية الجماعية والأنانية والفوضى والظلم ومنطق القوة” على نحو ما كتبه الفيلسوف الإيطالي نيكولا ميكيافيلي في كتابه “الأمير” والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في كتابه “التنين”، وغيرهما.

وشدد مقري على أن ذلك “أصبح المذهب الحاكم بشكل مطلق في السياسة الخارجية الأمريكية والغربية إلى الآن”، معتبرا أن “التوجهات الإجرامية الصهيونية ما هي إلا امتداد لهذا الفكر الغربي، والذي ساهمت الأبعاد الدينية التلمودية في تغذيته”.

كما اعتبر أن الاستعمار الغربي “يقوم على أساس المصلحة”.

وأوضح قائلا: “بما أن منطقتنا، التي يسميها الشرق الأوسط، مهمة جدًا من حيث الموارد والموقع الجيواستراتيجي فهو لا يهمه إلا إخضاعها، بالقوة الناعمة والخشنة، وعبر الحكام الوكلاء، وإذا اقتضى الحال بالتدخل العسكري المباشر كما حدث في العراق وأفغانستان”.

كما رأى المفكر الجزائري أن “المزج بين البعد الديني للإنجيل بعهديه القديم والجديد، وخصوصًا بين البروتستانتية المسيحية والديانة التلمودية اليهودية، أدى إلى تحويل الصراع بين العالم العربي والإسلامي والحضارة المسيحية اليهودية إلى صراع وجودي في فلسطين”.

وشدد على أن أي أمل في أن يتعامل الغرب مع العالم الإسلامي على أساس المصالح المشتركة والتعاون الدولي والاحترام المتبادل والحوار الحضاري “غير وارد”.

وأكد أن “ما سيدفع الغرب إلى القيام بذلك فقط هو تطور ميزان القوة الدولي نحو تعدد الأقطاب، ونهضة أمتنا العربية والإسلامية وعودتنا الحضارية؛ بما يجعل لنا مكانة بين الأمم نحفظ بها سيادتنا وخيراتنا ومواردنا وثقافتنا”.

ولفت مقري إلى أن الفكرة الرأسمالية والليبرالية الاقتصادية هي السائدة في العالم حاليا، حتى في الصين وروسيا.

وأضاف: “على مستوى الأفكار، ثمة مكان واحد بالعالم يعرض فكرة أخرى غير الرأسمالية الربوية المادية، وتحاول قوى أساسية فيه إعادة الصلة بين السماء والأرض في حياة الناس، وهذا المكان هو العالم الإسلامي”.

وأعرب مقري عن اعتقاده بأن العالم الإسلامي “سيكون طرفا أساسيا في رسم معالم الآفاق الجيوسياسية والجيواقتصادية المستقبلية العالمية في القرن الجاري”.

واعتبر أن ذلك هو “سبب الحرب على العالم الإسلامي والتوجس منه من قبل الأمم (في العالم الغربي) الغارقة في المادية الرأسمالية والانهيارات الأخلاقية”.

كما أعرب عن اعتقاده بأن وجود إسرائيل في أرض فلسطين هو لمنع “المارد الإسلامي” من خروجه من قمقمه، و”منعه من المساهمة في تحرير العالم من ظلم المنظومة الغربية وفسادها”.

وأوضح في هذا الصدد أن الاستعمار الغربي “أنشأ إسرائيل في موقع متقدم بقلب الأمة الإسلامية ليجعله بمثابة الثكنة العسكرية المدججة بالسلاح لخدمة المصالح الاستعمارية”.

وأضاف أن هذا الاستعمار “حرص على أن يبقي إسرائيل متفوقة في مختلف المجالات، وعلى أن تكون السبب الرئيسي لتمزيق العالم الإسلامي وبث الخلافات والصراعات داخله ضمن منطق استمرار الصراع التاريخي بين الغرب والشرق”.

ولفت إلى أن إسرائيل “دولة وظيفية لحراسة المنطقة ومنعها من التحرر والانعتاق الحضاري، وأنها ما دامت قائمة لن يتحرر العالم من ظلم الرأسمالية الغربية وفسادها وانحرافها”.

وتطرق مقري إلى تداعيات عملية “طوفان الأقصى”، قائلا إنها “عطلّت التطبيع مع إسرائيل”، الذي “كان سيصبح كارثيًا لو نجح مع السعودية”، و”عمّقت الخسائر الإسرائيلية على مستوى الأرض والسكان والدعم الخارجي والتفوق العسكري”.

وأوضح مقري أن تلك العملية “أحدثت حالة وعي غير مسبوق في الغرب ذاته من خطورة الكيان الصهيوني على العالم، حتى أن طلبة لأرقى الجامعات الأمريكية والغربية باتوا ينادون بنهايته لمصلحة بلدانهم وشعوب العالم”.

وقال: “لقد تم تصوير إسرائيل بالغرب على أنها واحة للديمقراطية وسط دول عربية همجية وغير ديمقراطية، وأن من أدوارها جعل العرب والمسلمين يتحضرون ويتعلمون من اليهود الإسرائيليين، وأنها الصورة النموذجية للحضارة والقيم الغربية، وأن دعمها المطلق يعد دفاعا عن هذه الحضارة ومصالح بلدانها”.

وأضاف مستدركا: “إلا أن طوفان الأقصى حطمت هذه الصورة التي أنُفقت عليها أموال طائلة عبر عقود من الزمن، واكتشف العالم همجية الصهاينة وبربريتهم وإجرامهم الذي تجاوز كل الحدود، واستهتارهم المشين بحقوق الإنسان والقانون الدولي”.

وتابع: “لقد انتبه العالم (بفضل طوفان الأقصى) إلى حقيقة النكبة الأولى (في فلسطين عام 1948) التي كانت مخفية عن عموم البشرية، وبات على دراية بأن ما يحدث في غزة الآن هو نكبة ثانية لا تختلف عن المحرقة التي تعرض لها اليهود على يد النازية الألمانية”.

واختتم حديثة قائلا: “لقد انتبهت قطاعات شعبية عريضة والعديد من الحكومات في العالم بأن دولة الكيان خطر على الأمن والاستقرار العالمين، وأنه بدون الحق الفلسطيني لن يتحقق هذا الأمن وهذا الاستقرار في العالم”.