عرب

عام منذ كارثة درنة.. حفتر يقتات من مآسي المدينة المنكوبة 

يمرّ اليوم عام على كارثة درنة في ليبيا. ففي ليل 10-11 سبتمبر 2023، ضربت العاصفة دانيال ساحل ليبيا الشرقي، مسبّبة فيضانات كبيرة في درنة أدّت إلى انهيار سدّين، ما أسفر عن سقوط نحو 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.
بعد مرور عام على هذه المأساة، يسبب حجم الدمار والحصيلة البشرية التي لم تحدد بعد نهائيا الصدمة، في وقت كشفت فيه أعمال إعادة البناء عن شبهات فساد في هذا البلد الغني بالنفط.
فقد تحوّلت إعادة إعمار درنة إلى منجم ذهب لمعسكر خليفة حفتر وإلى وسيلة لتوسيع نطاق نفوذه في البلاد، وفق خبراء.
في الأشهر الأخيرة، تحوّلت درنة التي كان عدد سكانها 120 ألف نسمة قبل الكارثة، إلى موقع بناء ضخم تتقدم فيه مشاريع البناء بسرعة كبيرة، مع استبعاد أي دور في ذلك للسلطات في طرابلس الواقعة على بعد أكثر من 1300 كيلومتر.

صندوق تنمية وإعمار ليبيا

في فيفري، أنشأ عقيلة صالح رئيس البرلمان الذي يتخذ في الشرق مقرا “صندوق تنمية وإعمار ليبيا” برئاسة بلقاسم حفتر أحد أبناء حليفه، خليفة حفتر.
في هذا السياق، يقول أنس القماطي مدير معهد الصادق، إن صالح “أعطى بلقاسم عشرة مليار دينار (حوالي ملياري دولار)”، فيما يشكل “شيكا على بياض من دون أي رقابة”.
ويضيف أن هذا الصندوق يعد “مؤسسة منيعة، حيث يتم ابتلاع المليارات وتظهر مبان من دون التأكد من جودتها وبتكاليف مختلفة عما هي في الواقع”.
ويؤكد هذا الخبير أنه كان ينبغي إخضاع إعادة الإعمار هذه لإشراف وكالات الأمم المتحدة والمسؤولين المنتخبين محليا، “مع اتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد”.
من جهته، يقول جلال حرشاوي الباحث المتخصص في الشؤون الليبية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن “الغموض الذي يحيط بهذه المشاريع يثير تساؤلات بشأن احتمال إساءة استخدام الأموال العامة”.
غير أن الخبيرين يؤكدان أن الصندوق لا يُدر مكاسب مالية فقط. ويشير القماطي في هذا السياق، إلى أن “أبناء حفتر يبنون منصة انطلاقهم السياسية. وكل لبنة يتم وضعها في درنة هي نقطة انطلاق لخطة خلافتهم  لوالدهم الثمانيني التي تموّلها المأساة”.
ويوضح حرشاوي أنه بالنسبة إلى بلقاسم حفتر الذي، على عكس شقيقيه صدام وخالد، لا يقوم بدور عسكري، فإن “الوعد بإعادة بناء ليبيا بأكملها، بما في ذلك طرابلس، يوفر إمكانية تشكيل هوية سياسية على المستوى الوطني والدولي”.
ويضيف الخبير أنه من خلال “هذا الحكم الاستبدادي.. تستخدم الأُسرة  رأس مال سياسيا ودبلوماسيا ضخما وتظهر الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة على أنها غير فعالة وغير ضرورية”.
والخميس، أشاد بلقاسم حفتر خلال زيارة للجنوب، بـ”نسبة إنجاز مرتفعة جدا، تفوق الـ70 ٪ في جميع المشاريع” في درنة.
وقال: “قمنا باستكمال ألفي وحدة سكنية وأنشأنا 1500 وحدة سكنية (جديدة) بسبب العجز الكامل والكبير في السكن في درنة”.
كذلك، أشار إلى “صيانة شبكة الكهرباء والطرق والبنية التحتية”، موضحا في الوقت ذاته أن “جميع المدارس تلقت صيانة كاملة… وقمنا بإنشاء مدارس جديدة”.

الناجون من الكارثة دون تعويض

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “إن السلطات الليبية تتقاعس عن تقديم التعويض والدعم الكافيَيْن لإعادة الإعمار بعد مرور عام على الفيضانات الكارثية التي دمرت مدينة درنة  شرق ليبيا وخلّفت آلاف الموتى والمفقودين، ولم تحاسَب المجموعات المسلحة بعد على التقصير في الاستجابة الطارئة الذي منع الناس من التماس الأمان”.
وأكدت “هيومن رايتس ووتش” في بيان لها اليوم، أن بطء التعافي وغياب خطة استجابة وطنية يؤثر بشدة في الحقوق الاقتصادية للناجين، بما فيها السكن، والصحة، والتعليم.
وقال ناجون من الفيضانات إنهم يواجهون عوائق في الحصول على التعويض المنصف ودعم إعادة الإعمار وسط ركود سياسي يقيّد بشدة قدرة النازحين على العودة إلى ديارهم.
وفي درنة، المدينة الأكثر تأثرا، ما يزال الدمار والأضرار التي أصابت البنية التحتية منتشرة، بما يشمل المنازل، وشبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات، والمدارس.
أما الاستفادة من الخدمات الحكومية والمالية فمحدودة، بينما ما يزال آلاف الضحايا مجهولي الهوية أو مفقودين.
وقالت حنان صلاح، المديرة المشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “النازحون من درنة وغيرها من مدن شرق ليبيا الذين قُلبت حياتهم رأسا على عقب بعد الكارثة يواجهون عوائق مضنية وأحيانا مستحيلة في الحصول على أي نوع من دعم الدولة. ينبغي للسلطات ضمان مقاربة منصفة لإعادة الإعمار وتعويض السكان”.
ودعمت “هيومن رايتس ووتش” دعوة أطلقتها منظمات ليبية لإجراء تحقيق دولي مستقل في كارثة درنة.
خاصة أن تفويض “البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا” انتهى في مارس 2023 ولا توجد أي جهة استقصائية دولية حاليا في ليبيا.
وقالت: “من واجب السلطات الليبية إعمال الحق في الصحة، والسكن، والتعليم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي للأشخاص بمن فيهم المتضررون من الفيضانات. وينبغي لها ضمان أنّ استجابة الإغاثة وإعادة الإعمار تحترم حقوق الناس”.
وأكدت أن “التحقيق المستقل في جميع أوجه كارثة درنة هو وحده الذي يمكنه تسليط الضوء على مسؤولية الرسميّين في انهيار السد والدور الأساسي الذي لعبته المجموعات المسلحة في إدارة الاستجابة التي أدت إلى هذا العدد المرتفع من الوفيات”.

ملاحقة المسؤولين عن الكارثة

على الصعيد القضائي، تقدّم البحث عن المسؤولين عن الكارثة في إطار تحقيق بدأ منذ عام، خصوصا أنّ السدود في درنة التي بنتها شركة يوغوسلافية في السبعينات، لم تتلقَّ إلّا صيانة بسيطة على الرغم من تخصيص ميزانية لذلك.
وفي نهاية جويلية، أُدين 12 موظفا مسؤولا عن إدارة هذه السدود، بأحكام تراوح بين 9 أعوام و27 عاما.
غير أن التحقيق الذي تجريه النيابة العامة الوطنية لم يتجاوز مستوى رئيس بلدية درنة وهو أيضا ابن شقيق عقيلة صالح. وقد أحرق متظاهرون غاضبون منزله بعد وقت قصير على وقوع المأساة.
يضاف إلى ذلك، وجود جدل آخر يتعلّق بعدد الضحايا الذي يُشتبه في أنّ السلطات في الشرق تحاول تقليله.
وقال رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، كمال السيوي، لوكالة الأنباء الليبية (وال)، إنّ “الهيئة أنجزت ما يقارب 98 % من ملفات أسر ضحايا كارثة إعصار درنة، وما زالت جهودها جارية في التعامل مع هذا الملف”.
وأضاف أنّه “تم أخذ عينات الحمض النووي من كل الجثامين”، موضحا أنّ الهيئة “التزمت بالقائمات التي أُحيلت إليها من مكتب النائب العام ومن النيابة”.
لكن إلى جانب الأشخاص المدفونين الذين يبلغ عددهم 3800 شخص، تمّ جمع ما لا يقل عن “10 آلاف عيّنة من الحمض النووي من أقارب لمفقودين” خلال عام واحد، وذلك “باستثناء العائلات التي ليس لديها ناجون”.