صورة مقاومين تونسيين قبل إعدامهم من سلطات الاحتلال الفرنسي تعيد للذاكرة الشعبية الشعور بالنخوة
tunigate post cover
رأي

صورة مقاومين تونسيين قبل إعدامهم من سلطات الاحتلال الفرنسي تعيد للذاكرة الشعبية الشعور بالنخوة

صورة أرشيفية لثلاثة مقاومين تونسيين ضد الاحتلال قبل إعدامهم تداولتها صفحة مختصة في التاريخ في فيسبوك فأعادت إلى الواجهة ملحمة أبطال واجهوا أحكام الإعدام الجائرة …بين الفخر الشعبي والتهميش الرسمي…قصة ثلاثي العزة والكرامة
2022-04-14 18:23

وجدي بن مسعود

تحدوا الأغلال التي تقيد معاصمهم وأجسادهم برؤوس مرفوعة وقامات مشدودة، فكانت القيود أوهن من أن تنال من أرواحهم المشبعة بعبق الحق وعطر التضحية والفداء.

ترتسم على ملامحهم نظرات هادئة واثقة في مواجهة جلاديهم من طغاة الاستعمار وعساكره. واجهوا بإيمان وبشجاعة وبسالة مصيرهم  بعد أن شربوا نخبا خالدا للحرية وأنشدوا نداء الكفاح لشعبهم.

هو الانطباع الأول الذي يتبادر إلى الأذهان ويراود كل من شاهد هذه الصورة الأرشيفية لثلاثة مقاومين تونسيين تم تلوينها حديثا فبرزت تقاسيم وجوههم، وثقت الكاميرا موقفهم في مواجهة حكم الإعدام صابرين واثقين لا يخالجهم الخوف أو التردد أو الندم.

يكاد الصمت الوقور الواثق الذي يغلف مشهد المقاومين في الصورة يحدث عن نفسه، ليروي ما يختلج في صدور هؤلاء الأبطال الذين وقفوا ببسالة أمام فرقة الإعدام بقوات الاحتلال الفرنسي، والتي كان يطلق عليها “وحدة إطلاق النار” وهم يرددون، “سيغمرنا الآن نوم عميق مريح، كم هو غامر ذلك الشعور بالراحة بعد مشاق درب طويل، سينقشع الظلام قريبا معلنا بزوغ فجر الحرية، وسيكنس شعبنا آثار أقدامكم القذرة عن أرضنا، ويزرع على قبورنا زيتونة تروي للزائرين وكل من يتفيأ ظلها حكاية نضالات طويلة ارتوت بالدم والدموع”.

تاريخ المقاومة المنسية

 توثق الصورة جانبا من المسكوت عنه والتفاصيل المنسية في تاريخ حركة المقاومة الوطنية في تونس، والمتعلقة بعمليات الإعدام التي نفذتها السلطات الاستعمارية بحق مئات المقاومين والمناضلين، إثر محاكمات جائرة غير شرعية في بعض الحالات، وكذلك خارج نطاق القانون ودون أية إجراءات قانونية في أحيان كثيرة أخرى.

أسهمت الروايات الشفهية، وبعض المحامل الأدبية المتداولة منذ أواخر القرن 19 وبدايات القرن العشرين، في حفظ بعض سير الأبطال التونسيين من المقاومين الذين واجهوا أحكام الإعدام الاستعمارية، بكل أدواتها البشعة من المقصلة وصولا إلى حبل المشنقة والإعدام رميا بالرصاص، على غرار المنوبي الجرجار ومحمد الدغباجي.

حقائق تاريخية

في تحليله وقراءته لمعالم الصورة، يشير المؤرخ الأكاديمي التونسي رياض المرابط إلى جملة من الحقائق والمعطيات، أبرزها نظرات التحدي الواضحة في عيون المقاومين حسب قوله.

ويكشف المعطى الثاني الذي يعتمد على تحليل الملامح والهيئة، أن هؤلاء المقاومين ينحدرون من بيئات ومستويات اجتماعية وثقافية مختلفة، وفئات عمرية متباينة كذلك، فأحدهم ينتمي إلى وسط حضري أو إحدى المدن الكبرى، في حين يرجح أن الثاني تعود أصوله إلى الجنوب انطلاقا من الثياب التي يرتديها، أما الثالث فقد يكون أصيل إحدى القرى أو المناطق الداخلية.

أما الإطار الزمني للصورة فيعود إلى بدايات الخمسينات، خلال مرحلة اندلاع العمل الفدائي والمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي حسب تقديرات محدثنا، الذي استشهد بارتداء أحد المقاومين بقايا زي عسكري ألماني يعود إلى الحرب العالمية الثانية.

ويعتبر الباحث رياض المرابط أن الصورة دليل على أن حركة المقاومة المسلحة للاستعمار والتي يطلق على قائديها تسمية “الفلاقة” في تونس، كانت حركة شاملة استقطبت المناضلين والفدائيين من شتى جهات تونس ولم تقتصر على مستوى اجتماعي أو ثقافي أو جهوي.

جرائم استعمارية 

وفضلا عن دلالات الصورة على المستوى التاريخي والسيمائي، يشير المرابط إلى السياق التاريخي المرتبط بفظاعات عمليات الإعدام التي تعد جزءا من الجرائم الاستعمارية بحق المقاومين، وكان أغلبها يقع بشكل علني وبطرق بشعة.

وبين رياض المرابط أن الاحتلال الفرنسي كان يتعمد تنفيذ إعدامات علنية بحق المقاومين التونسيين إمعانا في الترهيب، ويرجع تاريخ أول تنفيذ علني موثق إلى سنة 1912، عندما أعدم البطلان الشهيدان المنوبي الجرجار والشاذلي القطاري بعد إدانتهما بالمشاركة في أحداث الجلاز سنة 1911، ووقع تنفيذ الحكم في ساحة باب سعدون بالمقصلة التي وقع جلبها خصيصا لهذا الأمر من الجزائر، ما يوضح النزعة الفرنسية التي سعت إلى ترويع التونسيين وإذلالهم.

الإعدامات العلنية عكست العقلية الاستعمارية التي لم تنظر إلى التونسيين كخصم شريف وشعب يمارس حق المقاومة المشروعة، بل كمجموعة من “المجرمين والمخربين والرعاع”، حسب الأستاذ المرابط وهو ما يفسر البعد الأخلاقي لهذه الجرائم.

تدوين تاريخ المقاومة 

الحديث عن قضية الإعدامات خلال الحقبة الاستعمارية، يثير تساؤلات كبيرة بشأن عدم كتابة تاريخ المقاومة المسلحة والشعبية في تونس وتجاهله طوال عقود بعد الاستقلال، وهي رؤية يؤمن بها محدثنا الذي أوضح أنه عقب الاستقلال وقع تدوين تاريخ رسمي للحركة الوطنية تكرس صورة شخص واحد وهو الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، فيما وقع تجاهل  ما دون ذلك وتهميشه، قائلا: “بدأت أولى محاولات رد الاعتبار لحركة المقاومة والاهتمام بتاريخها على المستوى الأكاديمي في تونس خلال العشرية الأخيرة”. 

وأضاف الأستاذ المرابط: “التاريخ الرسمي للحركة الوطنية في تونس تعمد تهميش المقاومة المسلحة والشعبية، وإعطاءها مكانة ثانوية وعدم الإشارة إليها إلا باقتضاب، بسبب الخلاف الذي تفجر عقب الاستقلال بين بورقيبة والقيادات التاريخية لحركة المقاومة مثل ساسي الأسود والأزهر الشرايطي، ما جعل الفلاقة وغيرهم من المقاومين الشعبيين منسيين”.

أسهمت الذاكرة والروايات الشعبية في تخليد سير بعض المقاومين والأبطال التونسيين الذين واجهوا جرائم الاستعمار والإعدامات الجائرة رغم محاولات طمسها من جانب التاريخ الرسمي، على غرار سيرة المقاوم الشهير محمد الدغباجي الذي أعدمته السلطات الفرنسية سنة 1924.

“لم يسلم من التناسي والتهميش سوى بعض الشخصيات القيادية في حركات المقاومة التي تداولت السير الشعبية بطولاتها ومواجهتها الشجاعة لحكم الإعدام، ولكن في المقابل ضاعت روايات وقصص مئات آخرين من المقاومين التونسيين الذين سقطوا في معارك المقاومة الشعبية أو أعدموا في سجون الاحتلال”، يضيف محدثنا.

واعتبر الباحث والمؤرخ رياض المرابط أن إثارة ملف الإعدامات في الحقبة الاستعمارية على صعيد البحوث الأكاديمية، من شأنه نفض الغبار على حقائق مجهولة تتعلق بانتهاكات الاستعمار، في ظل عدم وجود إحصائيات رسمية أو أرشيف وطني عن عدد الشهداء والمقاومين الذين أعدموا في سجون الاحتلال الفرنسي.

الاستعمار الفرنسي#
الفلاقة#
المؤرخ رياض المرابط#
المقاومة الشعبية في تونس#
عمليات الإعدام#

عناوين أخرى