من ضحية للعنف الأسري والذكوري، ونموذج من بين آلاف حالات الزواج المُبكّر المنتشرة في أفريقيا، نجحت دجايلي أمادو أمل الأديبة الكاميرونية المنحدرة من أمّ مصرية، في تكييف تجربتها وتحويلها إلى منطلق لمغامرة روائية تسلّط الضوء من خلالها على قضايا اضطهاد المرأة.
في السابع عشرة من عمرها أُرْغِمت دجايلو أمل المولودة شمال الكاميرون لأمّ مصرية وأب كامروني، على زواج قسْري من كهل يتجاوز من العمر 50 سنة، قبل أنْ تتمكن من الحصول على الطلاق بعد بضع سنوات.
بعد تجربتها الأولى بحوالي 10 سنوات، واجهت خلال زواجها الثاني شتّى أشكال العنف والاعتداء المنزلي، تجربة مأساوية انتهت بشكل أشدّ مرارة بعد قيام زوجها بخطف ابنتيْها، في محاولة لإجبارها على العوْدة إلى المنزل بعد فرارها.
عبْر فصول روايتها، نجحت أمادو أمل في تكثيف صور معاناة النساء – وسط بيئة يغلب عليها الفقر والجهل وتعدد الزوجات والتسلط المجتمعي- نجحت “دون تكلف وبروح بسيطة وقلم معبر”، كما وصفتْها لجنة تحكيم غونكور خلال إعلان تتويجها بجائزة الاختيار الثاني للمسابقة والمخصصة للمعاهد الثانوية.
لم تقبع أمادو أمل تحت عباءة الضحية لاجترار ذكرياتها ومعاناتها، بل اختارت الانعتاق من بين تلك الصفحات المظلمة، لتعْبرها بشجاعة وتحولها إلى شهادة أدبية حية.
اختارت الكاتبة المصرية الجذور أنْ تنسج بلغة موليار طريقًا لخلاص الذاكرة والروح، وصرْخة تترْجِم واقع آلاف من النساء الإفريقيات، وصفتْها رئيسة لجنة التحكيم كليمانس نومينيه: بكونها “مؤثرة للغاية، وعنيفة أحياناً، تجعل القارئ يضع نفسه مكان الشخصيات”.
بعيدًا عن الشاعرية غير الضرورية التي ميّزت أسلوب كتابة “فاقدات الصبر”، حظِيت الرواية باستحسان وإشادة كل لجان القراءة والتحكيم المشاركة في تقييم الأعمال الأدبية المشاركة، سواء على الصعيد الأكاديمي داخل فرنسا أو على مستوى الدول الفرنكفونية، والتي وصفت الكتاب بكونه “يحضّ القراء على المواجهة”، ومعبّرة عن الأمل بأنْ يكون للجائزة واختيارها” تأثير على العالم بأسره”.
حظِي اختيار دجايلي أمل للجائزة بشبْه إجماع وسط لجنة التحكيم بلغ 10 أصوات من بين 12 عضوًا من أفراد اللجنة النهائية، ليكون التتويج اعترافًا كلّل مسيرتها الأدبية الملتزمة بقضايا المرأة والدفاع عن النساء المهمّشات وضحايا العنْف والاستغلال، ما بوّأها لنيْل لقب: “صوْت منْ لا صوْت لهم” من الصحافة الكاميرونية.
بكثير من التواضع اعتبرت الأديبة ذات الجذور المصرية الجائزة “تتويجًا يعني الكثير لها”، مضيفة في حديثها عن أبعاد رسالتها الإنسانية والأدبية: “نتناول العنف ضدّ المرأة لكيْ يكون الشباب حسّاسين تجاه هذا الموضوع، وإذا تحدّثْنا عن الزواج المبكّر والقسْري، وعن العنف الجسدي والمعنوي، فهذا يعني في الواقع الأمل في المستقبل”.
جسّدت رواية دجايلي أمل رحلة صبْر إنسانية طويلة، وولادة أدبية من الخاصرة تستحضر جانبًا من رجْع صدى الذاكرة المُثْخنة بالمعاناة، لتستحقّ إلى جانب التتويج بأرفع الجوائز الأدبية الفرانكفونية، أنْ تُصنّف باعتبارها صرْخة في سبيل تكريس حقوق المرأة المضطهدة، وعنوان أمل لمستقبل النساء الإفريقيات.