سميح القاسم… شاعر “الغضب الثوري” المرابط في فلسطين

وجدي بن مسعود

هو قامة أدبية فلسطينية نافست شاعرية محمود درويش وجعلت من القصيد المقاوم مدرسة فنية بخصوصياتها اللغوية والجمالية وصورها البلاغية وإسقاطاتها السياسية والإنسانية.

الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم الذي تمر الجمعة 19 أوت/أغسطس الذكرى 83 لمولده، يعدّ أحد أعمدة شعر الثورة والمقاومة في فلسطين إلى جانب رفيق دربه محمود درويش وتوفيق زياد وراشد حسين وسالم جبران حتى خلع عليه النقاد الأدبيون عدة ألقاب أشهرها “شاعر الغضب الثوري” التي أطلقها عليه الناقد المصري رجاء النقاش و”شاعر القومية العربية” على حد تعبير الأكاديمي اللبناني محمد الذكروب.

ينحدر سميح القاسم الذي ولد في 11 ماي/ أيار من العام 1939 من عائلة درزية شديدة الاهتمام بالثقافة والآداب والفنون وهو ما ساهم في توجيه اهتماماته بالشعر منذ سن مبكرة.

ورغم نزوح عائلته مبكرا من فلسطين قبل نكبة العام 1948 واستقرارها بمدينة الزرقاء بالأردن أين عمل والده بقوة حرس حدود شرق الأردن، إلاّ أنه كان شديد الارتباط بهويته وجذوره وانتمائه العربي والفلسطيني وتمثلاته الحضارية والتاريخية.

قامة أدبية نافست درويش

عاصر سميح القاسم في بدايات شبابه انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني، فتفجرّت كلماته وأشعاره غضبا وثورة وحماسا للفدائيين الذين كانوا يخترقون صفوف العدو الخلفية ويعبرون بجسارة أسلاكه الشائكة ويقضون مضجعه بعملياتهم الجريئة.

مثلت قصائد القاسم شهادة تاريخية وثّقت التحوّلات التاريخية الكبرى لمسار القضية الفلسطينية منذ حقبة الثورة الفلسطينية مرورا بحصار منظمة التحرير في بيروت ووصولا إلى الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينات.

على مدار مختلف هذه المحطات كانت كلمات القاسم لهيبا حارق وشوكة تطعن خاصرة الاحتلال الصهيوني الرخوة، وشهادة تفضح جرائمه المستمرة وعنوان صمود شعبه في وجه الانتهاكات والتهجير فكتب في قصيدة “خطاب في سوق البطالة”:

ربما أفقد ما شئت معاشي

ربما أعرض للبيع ثيابي وفراشي

ربما أعمل حجّاراً، وعتّالاً، وكناس شوارع

لماذا تأخذ الحلوى وتُعطينا القنابل

ولماذا تحملُ اليُتمَ لأطفال العرب

بلغ الحزن بنا سن الرجولة

وعلينا أن نقاتل…

علاقة سميح القاسم مع رفيق الشعر والكتابة والنضال السياسي والأدبي محمود درويش اكتست أبعادا مركبة عميقة التفاصيل في جانبها الإنساني.

فعلى الرغم من المقارنة التي فرضت عليه مع صاحب سجل “أنا عربي”، ألاّ أن سميح شكل معادلة شعرية وفنية صعبة أصبحت معها ثنائية درويش القاسم عنوانين مجتمعين وخيارين متفاضلين متنافسين في مدرسة الشعر الفلسطيني المقاوم.

عودة الصمود… فالخلود

منذ عودته إلى قريته الرامة في الأرض المحتلة أخذ سميح القاسم عهدا على نفسه بالصمود، وألاّ يغادر فلسطين وأن يضل مرابطا بها حتى النفس الأخير، رغم تلقيه عدة تهديدات بالقتل وتعرّض مرارا للاعتقال.

طوال أكثر من نصف قرن تميز القاسم بإنتاج غزير كمن يحاول التفوق على نفسه، وتخليد إرث ثقافي وحضاري يحكي للأجيال المقبلة قصة المقاومة الفلسطينية ومثقفيها.

قبل بلوغه سن الثلاثين نشر سميح ست مجموعات شعرية كان لها صدى أدبي واسع في العالم العربي.

وكان لـ”شاعر القومية العربية” إسهامات واسعة في الصحافة المكتوبة منذ بداية مشواره مع القلم، إذ عمل صحفيا ضمن هيئة تحرير مجلة “الغد”، وانضم لاحقا إلى صحيفة “الاتحاد” اليومية في حيفا قبل أن يترأس تحرير جريدة “هذا العالم” عام 1966، ثم أصبح سكرتير تحرير “الجديد” ثم رئيس تحريرها.

ساهم سميح في إنشاء دار أرابيسك للنشر في حيفا عام 1973، وأدار معهد الفنون الشعبية في حيفا، كما ترأس اتحاد الكتاب العرب في فلسطين لعدة سنوات.

شكّلت فلسطين التاريخية محور تجربة سميح القاسم وفكره الشعري والإنساني ومحور نضاله السياسي، فربط مصيره بتحرّرها أو المرابطة على أرضها في مواجهة الاحتلال حتى سنواته الأخيرة، رغم معاناته مع مرض عضال كان يستوجب علاجا بالخارج، لكنه ظل متمسكا بنذره الأبدي مع الوطن حتى وفاته في مثل هذا اليوم 19 أوت/ أغسطس من العام 2014 عن سن ناهزت 75 عاما.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *